وضاقت عليكم الأَرض مع رحبها واتساعها من شدَّة الرعب والفزع، فقد خيِّل إِليكم أَن رحابها أَغلقت في وجوهكم، فلا تجدون فيها موضعا تطمئنون فيه وتثبتون، فصرتم بذلك كمن ضاقت عليم الأَرض مع اتساعها، فلا يجدون فيها مكانا يسعهم ثم انصرفتم من وجه العدو متقهقرين.
وكانت هذه الغزوة بعد فتح مكة مباشرة، وسببها: أَن أَشراف هوازن وثقيف اجتمعوا وتشاوروا قائلين: إِن محمدا قد فَرَغَ من قتال قومه ولا ناهِيَةَ له عنَّا، فلنبدأْه بالغزو قبل أَن يغزونا، وأَجمعوا أَمرهم على ذلك، واجتمعت إِليهم عدة قبائل، منهم قبيلة سعد بن بكر الذي كان الرسول ﷺ مسترضعا فيهم، وجعلوا قيادتهم لمالك بن عوف النصرى (١)، وكانوا عددًا كثيرًا، فلما علم الرسول ﷺ بذلك، أَزمع المسير إِليهم، وخرج معه اثنا عشر أَلفا، منهم عشرة آلاف ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والأَنصار، والباقون من الطلقاءِ، أَي من أَهل مكة الذين أَسلم كثير منهم، وعفا عنهم النبي ﷺ، وقال لهم: اذهبوا فأَنتم الطلقاءُ، وكان فيهم بعض المشركين.
فلما التقوا قال رجل من المسلمين اسمه سلمة بن سلامة الأَنصارى: لن نغلب اليوم من قلة، فساءَت هذه الكلمة رسول الله ﷺ، فاقتتلوا قتالا شديدًا، فانهزم المشركون وتركوا ذرياتهم ونساءَهم وأَموالهم، وكانوا قد جعلوهم خلفهم في المعركة