ليقاتلوا مستبسلين دفاعًا عنهم فأَكبَّ المسلمون على الغنائم، فنادى المشركون يا حماة السوءِ: اذكروا الفضائح، فتراجعوا يحملون على المسلمين فانكشف المسلمون منهزمين، فقد أَدركهم شؤم إِعجابهم بكثرتهم وتراخيهم بسبب ذلك في القتال إِلى جانب اشتغالهم بجمع الغنائم والسبايا، ووجود عناصر مشركة وأُخرى حديثة العهد بالإِسلام من أَهل مكة، لم يزل للشرك أَثر في نفوسهم، حتى قال أَبو سفيان بن حرب: لا تنتهى هزيمتهم دون البحر وقال أَخ لصفوان بن أُمية: الآن بطل السحر، فقال له صفوان وهو على شركه: اسكت فَضَّ الله فَاكَ، والله لأَن يَرُبَّنى رجل من قريش خير من أَن يَرُبَّنى رجل من هوازن.
ثم بعد أَن ضاقت عليكم الأَرض بما رحبت ووليتم مدبرين منهزمين، أَنزل الله رحمته التي تسكن بها القلوب، أَنزلها على رسوله وعلى المؤمنين، فأَما سكينته التي أَنزلها على رسوله، فقد كان من أَثرها ثباته في أَرض المعركة، وأَمره العباس أَن ينادى المنهزمين ليعودوا إِلى لقاءِ العدو، وأَمَّا سكينته التي أَنزلها على المؤمنين فقد كان من أَثرها بقاءُ عدد منهم حول رسول الله ﷺ، وعودة المنهزمين إِلى أَرض المعركة، حين رأَوا رسول الله ﷺ لا يزال فيها يُنَازل العدو، وحوله نحو مائة من أَصحابه وقد سمعوا العباس بن عبد المطلب يناديهم بأَعلى صوتة - وكان جَهْوَرِىَّ الصوت - ليعودوا إِلى أَرض المعركة، وكان الرجل من المهزومين، إِذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع، لبس درعه ثم انحدر عنه وأَرسله، ورجع بنفسه إِلى رسول الله ﷺ، فلما رجعت شرذمة منهم، أَمرهم النبي ﷺ، أَن يصدقوا الحملة، وأَخذ قبضة من التراب ودعا ربه واستنصره قائلا:"اللهم أَنجز لي ما وعدتنى"، ثم رمى بها القوم، فما بقى إِنسان إِلا أَصابه منها في عينه وفمه ما شغله عن القتال، ثم انهزموا فتبعهم المسلمون يقتلون ويأْسرون، ثم جاءُوا بالأَسارى بين يدي رسول الله ﷺ: تلك هي خلاصة القصة مستقاة من مصادرها من السنَّة (١).
(١) راجعها مفصلة في ابن كثير والقرطبى وأبى السعود وسيرة الخضرى.