واسهلال العبارة بقوله: ﴿وَلَقَدْ﴾ لمزيد تحقيق ما اشتملت عليه الاية الكريمة ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾: لا يكفر بهذه الآيات البينات إلا الفاسقون، أَي المتمردون في الكفر، الخارجون عن حدوده، فإن من ليس على تلك الصفة من الكفر، لا يجترئُ على الكفر بمثل هذه الآيات الواضحات.
قال الحسن: إذا استعمل الفاسقين نوع من المعاصي؛ وقع على أَعظم أفراده من كفر أوغيره. من أشد هؤُلاءَ الفاسقين فسقا: اليهود، إذ أنهم كفروا بالآيات البينات، مع تأكدهم من صدق من جاء بها، عنادًا لمن ظهر الحق على يديه، وحَسَدًا له، فإنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم.
من عادة اليهود: أن ينقضوا العهود والمواثيق؛ ولا يفون بها.
ومن ذلك: أَنهم كانوا على نية الإيمان بالنبي ﷺ إذا بعث. ولهذا كانوا يستفتحون ويستنصرون به إِذا حاربوا المشركين قبل أَن يبعث، فيسألون رَبهم النصر، ببركة النبي المنعوت بصفاته في التوراة، ويقولون لهم: قد أَطل زمان ني سنقتلكم نحن معه قتل عاد وإرم، كما سبق بيانه.
والاستفهام في ﴿أَوَ كلُمَا﴾: للإِنكار والتوبيخ والتعجيب من شأنهم، و ﴿كُلَّمَا﴾ لإفادة تكرارهم لنبذ العهود، والواو قبلها للعطف على مقدر يستدعيه المقام. والتقدير: أكفروا بهذه الآيات، وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم، ومن جملة ذلك: عهدهم ووعدهم بالإيمان بك يا محمَّد إذا بعثت!
وعبر عن نقضهم للعهد، بالنبذ، ليشير إلى أَنهم تركوه مستهينين به، لأن النبذ يكون للشيء الذي لا يعتد به. وإِسناد النبذ إلى فريق منهم، يؤذن بأن منهم من لم ينبذه.
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، أَي: بل أَكثر اليهود لا يؤمنون بالتوراة، إِلى جانب أن أَكثرهم ينقضون العهد فايمانهم بالتوراة، لا يجاوز حناجرهم، ولوآمنوا بها حقا، لسارعوا إلى الإيمان بك يا محمد، فأنت منعوت بأوصافكِ فيها.