الرسول: هو محمَّد ﷺ ووصفه بأنه جاءهم من عند الله فيه تعظيم له. فإن عظمة المرسِل تقتضى عظمة رسوله. وفيه إلى- جانب ذلك- مبالغة في استنكار كفرهم به، أي: ولا جاءَهم رسول عظيم من عند الله: مصدق لما معهم من التوراة، من حيث إنه جاءَ على الوصف الذي وصف به فيها، كما أن كتابه الذي جاءَ به موافق لما فيها، من قواعد التوحيد وأصول الدين والأخلاق، وأخبار إلأُمم.
أي ولما جاءَهم محمَّد- صلى الله عليه وسم - مصدقا لما معهم فما تقدم، نبذ فريق من اليهود الذين أوتوا التوراة، كتاب الله وهو القرآن، إذ كفروا بالرسول الذي جاءَ به، وأعرضوا عما جاء في التوراة مبشرابه- صلى الله عليه وسم- كأَنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، أو أن محمدا رسول الله، والواقع أنهم يعلمونه علمًا يقينيا، ولكنهم نبذوه مكابرة وعنادا وجريا على سنتهم في نبذ العهود. فإنه قد أخذ عليهم العهد في التوراة أنه: إذا جاءهم هذا الرسول المنعوت، يؤمنون به وينصرونه، فنقضوا هذا العهد بكفرهم به.
وإنما شبههم بمن لا يعلمون، لأَن رفض الحق من شيمة الجهلاء، وهم بنبذهم الحق، مع علمهم به- يشبهون الجهلاء الذين لا علم عندهم.
وفي الآية تصوير بيانى حكيم، حيث شبه حال التاركين للعمل بالكتاب المهملين له، بحال من يرى شيئا وراءَ ظهره، نابذًا له وكارها.
وإضافة كتاب إلى (الله)، فيها إظهارلبشاعة جرمهم، حيث طرحوا أعز كتاب وراء ظهورهم.
وقصرُ نَبد الكتاب - وهو القرآن - على بعضهم، يؤذن بأن بعضا آخر لم ينبذه، كعبد الله بن سلام، وزيد بن سعنة من أحبار اليهود، وغيرهما ممن أكرمهم الله بالإِيمان الصادق برسول الله والقرآن المجيد.
ويرى بعض المفسرين: أن المراد بكتاب الله الذي نبذوه: التوراة.
قال السدي: لما جاءَهم محمَّد- ﷺ عارضوه بالتوراة، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخلوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت، فلم يوافق القرآن.