ومن أَراد معرفة مذاهب العلماء وآرائهم في السحر وأحكامه، فليرجع إلى المطولات.
وأما الشعوذة وما يجرى مجراها، مما فيه إظهار أمور عجيبة باستعمال آلات هندسية أو خفة يد، أو الاستعانة بخواص الأدوية والأحجار، فإنها ليست من السحر، وإطلاق السحر عليهامن قبيل التجوز، أو لما فيها من الدقة كما ذكره الآلوسي.
﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ﴾ أي: أَتبع اليهود ما كانت تقرؤُه الشياطين على الكهنة من أبواب السحر من عهد ملك سليمان، زاعمين أن سلطانه قام عليه، واتبعوا أيضًا، ما أنزل على الملكين: هاروت وماروت ببابل، وذلك أَن بابل كانت مدينة بالعراق يسكنها الصابئون الذين يعبدون الكواكب، وكان منهم أُناس يزاولون السحر، ويدعون الناس إِلى الكفر؛ وتقديس الكواكب والشياطين، ويسيطرون عليهم بالسحر؛ ليحملوهم عل عبادتها.
ومن رحمة الله - تعالى - أنه جعل من نواميسه ألا يذر الشر وحده يسيطرعلى عباده، فلذا سخر رجلين صالحين - اسمهما هاروت وماروت- لنحذير الناس، فكانا لصلاحهما- يشبهان الملائكة، فلذا أطلق الله عليهما الملكين.
ولما كان لكل شيءٍ آفة من جنسه، فلذا ألقى الله في قلبيهما علم السحر، فكانا يعلمان الناس السحر لكي يتخلصوا بتعلمه من سيطرة السحرة من الصابئة، ويتقوا شرورهم، وكانا يمزجان التعليم بالتحذير، فيقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة، أي امتحان من الله -تعالى- لعباده لينظر: أينتفعون بسحرنا في اتقاءِ الشر وجلب الخير، أم يسيئون استخدامه في الإضرار بالناس، وإفساد العقائد؟، فهو سلاح ذو حدين، فكما ينفع، يضر ويفسد العقيدة.