للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: انهما ملكان، وإن السحرة قد كثروا في ذلك العهد، واخترعرا فنونا غريبة من السحر: يموهون على الناس بها، وربما زعموا أَنهم أنبياءَ، فبعث الله - تعالى - هذين الملكين ليعلما الناس وجوه السحر حتى يمكنوهم من التمييز بينه وبين المعجزة، فيحذروا الكذابين، ولا ينخدعوا بسحرهم.

وما قلنا من أن الملكين: رجلان صالحان شبها بالملائكة لصلاحهما، هو الرأى الحق، وتؤيده قراءَة (الملكين) بكسر اللام.

أما من أخذ اللفظ على ظاهره، وقال: إنهما من الملائكة بعثهما الله لتحذير الناس من السحر، فقد جانبه الصواب؛ لأن سنة اقه أن يجعل رسله من البشر لا من الملائكة.

ولهذا لما طلبت قريش أن ينزل الله لهم ملكا، رد عليهم بقوله ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ (١).

وقد دلت الآية على: أن تعلم السحر كله غير حظور، وإنما المحظور منه ما يؤَدى بصاحبه إلى الكفر، باعتقاد فاعلية الشيطان، والكواكب، وألوهيتها، أَو السجود لها أو لصنم أو غير ذلك مما ينافى الإيمان. فالمقصود من قوله ﴿فَلَا تكْفُرْ﴾: أي لا تكفر بما يخالف شروط الإيمان من قول أو عمل أَو اعتقاد.

﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾

ذكر الله في هذا الجزء من الآية، لونا من ألوان السحر، الذي كان يعلمه الملكان لأهل بابل، وهو السحر الذي يكون من أثره إزالة الألفة بين الزوجين، واحداث العداوة أو البغضاء بينهما، إلى أن يتفرقا. واختصه بالذكر؛ لأنه من الصور التي تظهر فيها مفسدة السحر بأشد ما يكون. فلهذا آثر إِبرازها ليعلم الناس منها مدى ما يصل إليه السحر من الإضرار بالمجتمع؛ فإن إفساد الأسرة افساد للمجتمع؛ لما فيه من تشريد الأولاد الذين هم أَساسه.

ويتسع الشر إذا أريد بالمرءِ وزوجه: الإنسان ومن يزاوجة وبقارنه، فينضم إلى الإنسان

وزوجته كل قرينين بينهما إلفة كالأخوين والشريكين والصالحين، ومن هذا المعنى.

قوله: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ (٢).


(١) الأنعام: ٨ و ٩.
(٢) الصافات: ٢٢.