﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: أَي وما يضر السحرة بهذا السحر أَحدا كائنا من كان، إلا بعلم الله وإِرادته؛ فهم إِذن لا يستطيعون أَن يحدثوا بسحرهم ضررا دون ارادة الله، ودفع بهذا توهم أن يكون ضارًّا بذاته، بل بِإذن الله - تعالى - ربطا للمسببات بالأسباب.
﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾: ويتعلمون من السحر ما يضرهم ولا ينفعهم لأَنهم يقصدون بتعلمه الشر والإضرار بالناس. وقصدُ المعصية يعتبر معصية يعاقب الله- تعالى- عليها يوم القيامة.
أو لأن العلم يدعو إلى العمل ويجر إليه، ولا سيما الشر الذي هو هوى النفس ومطلبها.
والتصريح بقوله: ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ بعد إثبات ضرره؛ للإيذان بأنه ليس من الأمور المشوبة بالنفع والضر، بل هو ضرر محض.
وظاهر هذه الفقرة من الآية يُقَوِّى رأى القائلين بحرمة تعلمه مطلقا.
﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾: ولقد علم هؤلاءِ اليهود الذين نبذوا: كتاب الله، واتبعوا السحر: أَن من استبدل السحر بكتاب الله وآثره على شرعه -سبحانه- ليس له أىُّ حظ من الجنة، ولا أي نصيب من الخير يوم القيامة؛ لأنه لم يكن له إيمان ولا عمل صالح يكافأ عليه.
﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
﴿شَرَوْا﴾ أي باعوا، وهي من الأضداد، ومما جاءت به بمعنى البيع أيضًا قوله تعالى ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ (١) أي باعوه بثمن قليل. والعلم هنا منزل منزلة اللازم، غير منظور فيه إلى مفعول، أيَ لوكان عندهم علم وعقل.
والمعنى: ولبئس هذ الذي باعوا به حظ أَنفسهم من الخير، وهو تعلم السحر والعمل به. ولو كان عندهم علم وعقل، لأدركوا أَن هذا السحر ضار، مفسد للنفس والعقل والناس، ولامتنعوا عن تعلمه والعمل به.
وإنما نفي عنهم العلم، لأن العالم إِذا لم يجر على موجب علمه، ينزل منزلة الجاهل وينفي عنه العلم كما ينفي عن الجاهل.
١٠٣ - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَي: ولو أن هؤلاء الذين يتعلمون السِّحْرَ ويؤثرونه على ما أنزل الله، أو أنهم آمنوا بالنبي - صلى
(١) يوسف: ٢٠.