أَي جئَ بكتاب آخر نقرؤه لا تكون فيه آيات تخبر عن وقوع البعث ويكون خاليًا مما نكره، من ذم آلهتنا ووعيد من يعبدها بالعقاب الشديد، وهم بهذا الطلب يريدون تغيير القرآن كله، بما فيه مما ينكرونه أما قولهم:(أوْ بَدِّلْهُ) فهم يريدون به تبديل الآيات التي تسفه عقولهم وعقول آبائهم وتثبت البعث والعقاب على الشرك بآيات خالية عن ذلك مع استبقاءِ سواها.
ولا شك في أنهم قصدوا من هذا الطلب الكيد لرسول الله ﷺ بناءً على طمعهم في تحقيق إِجابته لهم، ليتوسلوا بذلك إلى الاستهزاء به والسخرية منه، وإلزامه بما جاءَ به مما يوافق هواهم ورأْيهم في آلهتهم، كما اقترحوه عليه، وحينئذ لا يبقى له ولا لنبوته شأْن فيهم.
أَي قل أَيها الرسول لهؤلاء المتعنتين، ما يصح وما ينبغي لى أَبدًا أَن أضع آية مكان آية أُخرى من جهتى وبرأْيى دون أَمر من الله ﷾.
والمراد بهذا الجواب رد الاقتراحين معًا لأن تبديل آية مكان آية، أخف من الإتيان بقرآن غير هذا القرآن الذي نزل، وإذا امتنع السهل واستحال امتنع الصعب واستحال بالطريق الأولى، ومما أمر به ﷺ، بيانا بشأْنه وحاله في تلقى الشريعة وإِبلاغها للناس قوله تعالى:
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾: أَي ما أَتبع أَيها الناس فيما أَفعل وأَترك إلا ما ينزل به الوحى من عند الله دون أَن أُغَيِّر منه شيئًا، وكذلك أَمر الله أن يقول تعليلا لاتباعه الوحى وامتناعه من التبديل:
بعد أَن بين القرآن الكريم في الآية السابقة أن لا سبيل إلى ما اقترحوه تعنتًا، جاءَت هذه الآية الكريمة تثبت أن القرآن حق، وأنه من عند الله العزيز الحكيم.