والمعنى: قل أَيها النبي لهؤلاءِ المنكرين عنادًا واستكبارًا: لو شاء الله تعالى أَن لا يجعلْنى رسولًا إِليكم ما تلوته عليكم ولا أَدراكم به عن طريقى، فإِن ذلك مما لا سبيل لى إليه.
أَي فقد أَقمت بينكم زمنًا طويلًا مقداره أَربعون سنة، عرفتم فيها جميع أَحوالى وأحطتم خيرًا بكل أَقوالى وأَفعالى من قبل أن ينزل القرآن على، فقد كنت لا أتكلم بينكم بما يشبه القرآن فى نظمه المعجز، ومعناه الموضح لأحكام الشريعة من عبادات ومعاملات وأَخلاق، وأَخبار الأمم الماضية مع رسلهم، وغير ذلك مما جاء به القرآن، كما كنت معروفًا بينكم بالصدق والأَمانة، أَتغفلون عن ملاحظة ذلك فلا تدركون وجوب كونه من عند الله العزيز الحكيم، ولا تعقلون امتناع صدوره عن مثلى، وكيف يعقل أَن أُعرف بينكم في هذا العمر الطويل، بأننى لا أَكذب على الناس، ثم أَكذب على الله المنتقم الجبار، إِن استحالة صدوره عني أمر لا يخفى على من كان له أَدنى فكر وأقل تدبر.
بعد أَن أَفادت الآية السابقة أن القرآن الكريم نزل بأمر الله تعالى ومشيئته على رسوله ﷺ جاءَت هذه الآية تبين للناس أَن من اختلق كلامًا من عند نفسه ونسبه إلى الله تعالى يكون أَظلم الظالمين.
والمعنى: إذا كنت التزمت الصدق والأمانة مع الناس لأن الكذب ظلم، فلهذا يستحيل أن أفترى الكذب على الله فلا أحد أَعظم ظلما من الذين يختلقون على الله ما لم ينزله عليهم، أو يكذبون بآيات الله ﷾.
والمراد بيان براءَته ﷺ مما جوزه المشركون في حقه من الافتراءِ عل الله والتنبيه على أنهم هم أظلم من كل الظالمين، إذ كذبوا محمدًا ﷺ وكفروا بجميع ما جاءَ به من عند ربه.