للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلهذا نزلت الآية للرد عليهم - كما نزل لذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ (١)

﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾

والمعنى: أيُّ شيءٍ من الآيات والاحكام: ننهى التعبد به، أو تجعلكم تتركونه؛ نأتي بأفضل منه: مثوبة أو نفعًا أَو خفة على المكلفين. أَو نأتى بمثله في ذلك. فإن تنزيل الآيات المشتملة على الأحكام الشرعية، يكون وففًا للحِكَم والمصالح؛ وذلك يختلف باختلاف الأحوال. قرب حُكْم تقتضيه الحكمة في حال؛ تقتضى نقيضه في حال أخرى، فلو لم يجز النسخ، لا ختل ما بين الحكمة والأَحكام عن النظام.

وهذا الحكم غير مختص بالآية الواحدة كاملة. بل هو جارٍ فيما فوقها وما دونها.

وتخصيصها بالذكر، باعتبار الغالب.

ثم ختم الله الآية بهذا التقرير:

﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾:

الخطاب فيه لكل من لدبه علم وعقل. الاستفهام للتقرير.

والمراد بهذا التقرير: الاستشهاد بعلم المخاطب، بأنه تعالى؛ ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾:

على قدرته على النسخ؛ والإتيان بما هو خير من المنسوخ أو مثله، أي أنك تعلم أَن الله على كل شئ قدير، فتدرك - بمقتضي علمك هذا قدرته تعالى على نسخ الآيات، والإتيان بخير منها، أو مثلها لمصلحة عباده.

وتعريف النسخ شرعا: إزالة حكم شرعى سبق، بخطاب ورد متأخرا، كما قال القاضيان: عبد الوهاب وأبو بكر. وزاد الأَخير: لولاه لكان السابق ثابتا.

ومن أراد معرفة الفرق بينه وبين التقييد والتخصيص، وأحوال النسخ وأمثلته، وهل يجوز نسخ القرآن بالسنة أولًا؟ فعليه أَن يرجع إِلى المطولات: ق التفسير وكتب الأصول. ونسخ الأحكام للمصلحة، موجود في جميع الديانات.

ففي صحيح مسلم: "لم تكن نبُوَّة قط إلا تناسخت" أي تحولت من حال إلى حال بالنسبة إلى المكلفين- ذكره القرطبي في المسأَلة الثالثة من مباحث الآية.


(١) النحل: ١٠١