وأنكرته طوائف من اليهود، زاعمين أَن ذلك من البداء، وهو مستحيل على الله، وقد كذبوا؛ فإن النسخ: النقل من حكم إلى حكم، لضرب من المصلحة.
ولا خلاف بين العقلاء، في أن شرائع الرسل قصد بها مصالح الخلق: الدنيوية والأخووية.
وأَما البداء، فهو: ترك ما عزم عليه أولا والعدول عنه، كقولك لشخص: امض إِلى فلان، ثم يبدو لك نقض الرأي الأول فتقول: لا تمض. أو تقول: له: إزرع كذا. ثم يبدو لك خلافه فتقول له: لا تزرعه، بل ازرع كذا لشئ آخر، على سببل التناقض والتقلب في الرأي
وهذا محال على الله - تعالى - لكمال علمه وحكمته، جائز الخلق لنقصانهم.
فكل حكم له تعالى صالح، وله حكمة فى وقته: منسوخًا كان أو ناسخًا، وليس في أَحكامه تعالى بداء.
رأى آخر فى النسخ
ذكرنا- فيما تقدم- رأى جمهور العلماء سلفا وخلفا في معنى النسخ فى الآية الكريمة، وحكمته. وخلاصته أنه: إزالة حكم شرعى سابق، بخطاب ورد متأخرا عنه، وأن كلا من المنسوخ والناسخ لمصلحة العباد في حينه.
ومن العلماء طائفة لا يقولون بنسخ الأَحكام، فرارا من البداء المستحيل على الله، فإِن تغيير الأحكام في الشريعة الواحدة، شأن من لا يعلم المصلحة كما ينبغى العلم، حينما شرع. فلما علمها، عدل عما شرعه أَولا، وذلك لا يليق بالله - تعالى - العليم الحكيم.
ويقولون: إن الآية الكريمة، ليست دليلًا على ما يقوله الجمهور في معناها، بل إن السياق يدل على خلافه، فإِن الآية قبلها تدل على أَن أَهل الكتاب يكرهون نزول الخير:
أي الوحي من الله على المسلمين. وإنما كرهوا ذلك لأنهم كانوا يريدون بقاءَ النبوة في
بني إسرائيل، وأَن تظل التوراة شريعة الناس: لا تنسخ، فهم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله.
فأخبرهم الله- تعالى- بأنه يختص برحمته- أَي نبونه وشريعته- من يشاء، لأن أمرها ليس لهم، بل لله وحده ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. فلا يحق لهم أَن يحتكروا فضله عليهم.