للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أن أحباء الله المقربين إليه بالإيمان والعمل الصالح لا خوف عليهم في الدنيا من قضاءِ أَعدائهم عليهم، فقد مكن لهم في الأرض، وآتاهم فيها العزة كما قال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (١) ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة كما بشَّر به النبي فلا مجال للخوف عليهم في دنياهم، ولئن أَصاب منهم أعداؤهم في بعض المواقع، فإن الدائرة بإذن الله ستكون لهم عليهم، فهم في ظل رعاية الله وحمايته، ما داموا على طاعته والإعداد لنصرة دينه ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (٢). وبالجملة فإنه لا يعتريهم في دنياهم ما يوجب الخوف عليهم ما داموا على ولاية الله والتقرب إليه بالتقوى والاستقامة، والحذر من الاعداءِ، والتأهب لدفع عدوانهم بما استطاعوا من قوة، وكما أنهم لا خوف عليهم في دنياهم فلا خوف عليهم في أُخراهم، فهم في الدنيا دائمو الخشية من الله، يؤدون ما كلفهم به من الطاعات، وينتهون عما نهى عنه من المنهيات، ويستصغرون ما أدوه نحوه من حقوق العبودية، ويجتهدون في تجريد أعمالهم من الرياء، ويرجون منه الفضل بالقبول، ومن كان هذا شأنهم فإنهم لا خوف عليهم أيضًا في أُخراهم. وكما أَنهم لا خوف عليهم في الدارين فإنهم لا يحزنون فيهما على فوت رغيبة من رغائبهم، فإنه تعالى منحهم نعمة الطاعة والرضا في دنياهم، فإن أقبلت عليهم النعمة والصحة والأَمن والرخاء حمدوا وشكروا، وإن فاتهم ذلك أو بعضه رضوا وصبروا، ومن عليهم في أُخراهم بجنة عرضها السموات والأرض ينعمون فيها بنعيم مقيم يفوق أعمالهم، ولا ترقى إِلى مثله آمالهم، فهو فوق ما كانوا يؤملون ويتصورون ثم عقب الله هذا الوعد الكريم لأَوليائه ببيان صفتهم التي تحقق ولايتهم فقال:

٦٣ - ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾:

أي أن أولياءَه تعالى هم الذين آمنوا بكل ما جاءَ من عنده، وواظبوا على تقواه - فلا يفعلون إلا ما رضي عنه الله ورسوله، ولا يتركون طاعة من طاعانه، فأَمرهم دائر بين واجب ومسنون، أَما المباحات فهم يمارسونها بقدر ما يعينهم على طاعة الله وكثيرًا ما أَغفلوها


(١) سورة المنافقون، من الآية: ٨
(٢) سورة الحج، من الآية: ٤٠