عما وجدنا عليه آباءنا من عبادة فرعون وسائر المعبودات التي ورثناها عنهم، لكي نعبد إلهك الذي طلبت أَن نعبده وحده، ولكى تكون لك ولأَخيك الكبرياءُ والعظمة في الأرض، بتولى الملك والرياسة علينا، فما أَضعف حجتهم، وما أقصر نظرهم، فلا ينبغي لعاقل أَن يحهتج بما كان عليه الآباءُ - فما أَكثر ما يكونون عليه من ضلال - ولا أَن يُتهم من يدعو إلى الله وحده بأَنه يدعو إِلى الرياسة والملك في الناس.
﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾: أي وقال فرعون وقومه لموسى وهارون ولسنا لكما بمصدقين فيما جئتما به من الدعوة إِلى توحيد الله وترك ما كان عليه آباؤنا.
ولم يخصوا موسى بالخطاب مع أَنه هو الذي خاطبهم بشريعته ودعاهم إِليها، مبالغة في إقناطه من إيمانهم، ولما كان لفتُهم عما وجدوا عليه آباءَهم من خصائص صاحب الشريعة أَسندوه إِلى موسى ﵇ في قولهم: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾.
أَما هارون فوزيره فيها، وتأْكيدًا لإصرارهم على الكفر والعناد كان التعبير بالجملة الإسمية والإتيان بالباءِ وتقديم ﴿لَكُمَا﴾ على ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ في قولهِ ﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾.
وقد رفض هولاءِ دعوة موسى لسببين:
١ - أَنه جاءَ ليصرفهم عما كان عليه آباؤهم وهم لا يحبون التحول عنه ومفارقته.
٢ - أَنهم زعموا أنه أَراد بدعوته أَن يكون له ولأخيه الكبرياءُ في الأرض وهم يحرصون على الانفراد به واستعباد الناس وظلمهم، ويرد السبب الأول بأنه حقا دعاهم إلى نبذ ما كان عليه آباؤهم ولكن ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والعرفان، وهذا خير مما عليه آباؤهم، ولا يحتاج رد الثاني إلى فكر ونظر لأن الرسالة لم تكن طريقًا إِلى التسلط والكبرياء، فقد تحمل موسي وهارون في سبيلها متاعب شديدة، ورحلات شاقة وبذلا في تبليغها للناس جهودًا مضنية، من أَجل الله وإِسعادًا للبشر في الدنيا والآخرة، دون أَن يكون لهما مأْرب دنيوى.