حكت الآية السابقة موقف يوسف الحاسم أمام مراودة امرأَة العزيز له وطلبها مخالطته، وتهيئتها كل الأَسباب لاجتذاب ميله، وأولها تهيئة نفسها له ذاتا وثيابا وتغليقا للأبواب وآخرها دعوة رقيقة له بقولها تهيأت لك ولم أتهيأ لغيرك، ولا بد أن هذه الدعوة التي حكاها القرآن هي إجمال كريم لدعوة مختلفة الأساليب تجيدها المرأَة الوالهة، ويعف القرآن الكريم عن التصريح بها، وكان رد يوسف الحاسم عليها هو قوله لها:
ولقد ظن يوسف أن هذا الذي قاله لها سيجعلها ترجع عن موقفها الشائن نحو زوجها ونفسها ونحو ربيب نعمتهم ذى الأخلاق الفاضلة التي لا تسمح له بالخيانة لرب نعمته، ولكنها لم ترعو عن غبها وانتهت إلى موقف آخر يتسم بالعزم والإصرار على تنفيذ جريمتها وهو ما حكته هذه الآية من قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾: ولكنه ﵇ أصر على موقفه السلبى منها، وعزم على وضع حد لتشبثها. فمانعها وهمَّ بإيذائها، وفيما يلى معنى الآية على هذا التأويل الذي تطمئن له نفوسنا.
المعنى: ولقد همت امرأة العزيز بيوسف ﵇ تجذبه إلى نفسها، وتوسعه لوما على موقفه منها مع أنها هي التي طلبته وراودته، وأَذلت له نفسها، وهو في نظرها عبد لها وهي سيدته، ولكنه همَّ بها يدفعها عن نفسه وكاد يضربها لمزيد إصرارها على مخالطتة، لولا إن رأَى في ضميره برهان ربه يصرفه عن ضربها، لأنها آوته وأَكرمته، ولأنه لو ضربها لادعت أنه راودها، ولما امتنعت من إجابته ضربها، لولا ذلك لضربها وانتقم منها لهذه الجريمة التي دبرتها له وهو منها برئ ومعصوم.
أي فعلنا مثل ذلك التثبيت بالبرهان مع يوسف ﵇ لنصرف عنه السوء. وهو ضرب من أكرمته وآوته، ولنصرف عنه الفحشاء التي دعته إليها - وهى المخالطة - إنه من عبادنا الذين أَخلصناهم لنا وهم آباؤه الذين أخلصهم ونقَّاهم