أَجاب ابن المنيَّر عن هذا السؤَال بقولِه: إِنهم كانوا عند أَبيهم متهمين لما أَسلفوه في حق يوسف، وقامت عنده قوينة تؤَكد التهمة وتقويها وهي أَخذ الملك له في السرقة، ولم يكن ذلك في دين ملك مصر، ولا في دين غيره، وإِنما كان ذلك في شرع يعقوب الذي يدين به أَولاده، فظن أَنهم هم الذين أَفْتَوْه بذلك عمدا بعد ظهور السرقة التي ذكروها، ليتخلف بنيامين دونهم. اهـ. هذا تلخيص ما حكاه الآلوسى عن ابن المنير فى جواب هذا السؤال.
لم يفقد يعقوب الأَمل في رحمة الله، لم يقطع الرجاءَ في عودة يوسف وبنيامين إليه فلذا قال عقب اتهامه لأَولاده في شأْن بنيامين: عسى الله أَن يأْتينى بأَولادى جميعًا يوسف وبنيامين، وابنى الكبير الذي تخلف في مصر حتى آذن له بالعودة أَو يحكم الله له. وأَكَّد رجاءه في الله بقوله:(إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ): إِنه هو الواسع العلم الذي يبتلى بحكمة ويرفع البلاءَ بحكمة وهو أَرحم الراحمين، هذا وقد قيل إِن مبعث الرجاءِ عنده تلك الرؤيا التي رآها يوسف في صغره "إِنى رَأيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ". فكان ينتظر تحقيقها، ويحسن ظنه باللهِ تعالى، وبخاصة بعد أَن اشتد به الكرب، وقد جرت سنته تعالى أَن يجعل بعد الشدَّة المستحكمة فرجًا وبعد العسر يسرًا.
وأَعرض عن أَولاده كراهة لما سمعه منهم، وقال: يا أشد الحزن والأَسف على يوسف تَعال إِلى، فقد تجدد ما يدعونى إِلى استدعائك، قالوا: وإِنَّما تأَسَّف على يوسف مع أَن الحادث الجديد هو مصيبة بنيامين وابنه الكبير الذي تخلف لأَجله، لأَن مصيبة يوسف كانت أَساس حزنه، وحبه كان آخذًا بمجامع قلبه، ولأَنه كان واثقا بحياة ولديه بمصر، طامعا في عودتهما إِليه، أَما يوسف لم تكن عنده بارقة أَمل إِلا فى رحمة الله تعالى.