للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ):

وابيضت عينا يعقوب بسبب الحزن وما كان يسببة له من دوام البكاءِ، فهو مملوء من الحزن على أَولاده الغائبين، ومملوءٌ من الغيظ من أَولاد الحاضرين، وكان عماه هذا مؤقتا إِن صح القول به، وكان بعد أَن بلغ دعوة ربه، فلا يقال: إِنه من الأَمراض المانعة من التكليف بالرسالة. ومن العلماءِ من قال: إِن أَمره لم يصل إِلى حد العمى. فقد كان يرى إِلى حدٍّ ما.

فَإِنْ قِيل كَيف يكون نبيًّا ويبلغ به الحزن إِلى هذا الحد؟ قلنا أُجِيب عن ذلك بعدَّةِ أَجْوبة، خَيْرُهَا: أَنَّ الحزن ليس محظورًا، وإِنما المحظور الولولة وشق الثياب والكلام بما لا ينبغي. فقد روى الشيخان من حديثِ أَنس أَنه بكى على ولده إِبراهيم وقال: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ والقَلْبَ يَخْشَعُ وَلاَّ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِى ربَّنَا، وَإنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزونُونَ".

وقد بين الله شدة حزن يعقوب بقوله: (فَهُوَ كَظِيمُ): أي مملوءٌ من الحزن ممسك عليه لا يبثه.

ومِمَّا شَدَّد عليه الحزن حتى امتلأَ، ما روى عن ابن عباس أَنه كان يعلم أَن يوسف حَىُّ ولا يدرى أَين هو؟ انظر القرطبى والآلوسى.

(قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦))

المفرادت:

(تَاللهِ): أَي والله؛ فالتاءُ حرف يستعمل في القسم بالله خاصة.

(تَفْتَأُ): أَي ما زلت.

قال الكسائي: فَتَأُتُ وَفَتِئْثُ أَي ما زلتُ وقال الفراءُ: إِن الكلام هنا بتقدير