والمعنى: وما يتذكر إِلا أُولو العقول الصافية الذين يوفون بما عاهدوا الله عليه من الاعتراف بربوبيته بقولهم: "بلى" جوابا لسؤَاله البشر "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ": وذلك حين أَخرج منِ ظهورهم ذريتهم وأَشهدهم على أَنفسهم.
ويحتمل أَن يكون المراد من عهده تعالى ما خَلَقَه فيهم من القوى العقلية والجسدية التي توجب عليهم عبادة الله، ويتمكنون بها من أَداءِ ما كلفهم به، فإِن ذلك بمنزلة العهد بينهم وبين ربهم، ومن العلماءِ من فسر عهد الله بتكاليفه التي عهد إِليهم بها في كتبه التي أَنزلها إِليهم.
ثم ختم الآية بقوله:(وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ): وهو تعميم بعد تخصيص إِن أُريد من العهد الاعتراف بالربوبية، أَي ولا ينقضون ما وثقوه على أَنفسهم من إيمانهم بربهم ومواثيقهم مع خلقه سبحانه مؤْمنين أَو كافرين، فإِن أُريد من كُلِّ من العهد والميثاق العموم كانت هذه الجملة مؤَكدة للأُولى.
هذه هي الصفة الثانية لأُولى الأَلباب الذين مدحهم الله بأَنهم هم الذين يتذكرون.
والمعنى: وما يتذكر بالمواعظ إِلا أُولو الأَلباب الأَوفياء والذين يصلون ما أَمر الله بوصله من الطاعات كَبِرِّ الأَرحام، والعطف على الأَيتام، وأَداءِ الحقوق للناس، والإِيمان بجميع الأَنبياء دون تفريق بينهم، والإِحسان إِلى جميع الحيوانات، فكل ذلك وأَمثاله من الطاعات يعتبر وصلا لما أَمر الله به أَن يوصل.
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ): أَي ويخافون إلَههم ومالكهم وخالقهم ومربِّيهم، يخافونه خوف إِجلال وإِعظام، ويخافون أَيضا سوءَ حسابه تعالى لهم فيبعثهم هذا الخوف على أَن يصلوا ما أَمر الله بوصله، ويبتعدوا عما يغضبه عليهم، وسوءُ الحساب يكون بالمناقشة والاستيفاءِ وعدم التجاوز، ومن نوقش الحساب عذب -نعوذ باللهِ من ذلك- فلا طوق لأَحد بعذابه.