والمعنى: وما يتذكر إِلَّا أُولو الأَلباب الذين صبروا على التكاليف، وقهروا النفس الأَمارة بالسوءِ حتى أخضعوها لطاعة ربها، وكان صبرهم هذا طلبا لرضا ذات ربهم، من غير نظر منهم إِلى جانب الخلق رياءً وسمعة، ولا إِلى جانب النفس زينة وعجبًا، وأقاموا الصلاة المفروضة فأَدَّوْها مستوفية الأَركان والشروط، وأنفقوا بعض ما رزقناهم بحيث لا يقل عما فرضه الله عليهم في الزكاة، وكان إِنفاقهم له سرًّا. حينما يكون السر أَولى في الإِنفاق من الجهر، وجهرًا حينما يكون الجهر أَرجح من السر. والإِنفاق سرًّا أَولى فيما إِذا كان المنفِق لا يتَّهم بترك الزكاة، أَو كان الآخذ مستور الحال خشية أَن يخدش حياؤُه بأَخذه الزكاة جهرًا، وكما في صدقة التطوع -إِلى غير ذلك من المقتضيات. والإنفاق جهرا أولى إِذا كان لحمل المياسير على الاقتِداءِ به، أَو خوفا من أَن يتَّهم بالشحّ، أَو لغير ذلك من الأَغراض الشريفة.
(وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ):
أَي ويقابلون السيئة بالحسنة ليمنعوا تكرارها، فإِنك إِذا أَحسنت إِلى من أَساءَ إِليك، يستحى أَن يكرر مساءته بعد أَن قابلتها بإِحسانك ما لم يكن المسيءُ لئيمًا لا يَثْنِيه الإِحسانُ عن المساءَة فإِن مقابلة شره بمثله تكون أَولى، فإِن من لم يتذأَب أَكلته الذئاب، وفسرها بعضُهم بأَنهم يتبعون السيئةَ الحسنة فتمحوها كما جاءَ في السُّنَّة.
(أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبىَ الدَّارِ):
أَي أُولئك الموصوفون بهذه الصفات الجليلة، لهم عاقبة دار الدنيا التي ينبغي أَن تكون عاقبة لهم بالنسبة للمكلفين فيها، وهي الجنة.