للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَوَعَدُّتكُمْ فأخلَفْتُكُمْ):

أَي ووعدتكم ألَّا بعث ولا جزاءَ، ولو صح أَنكم تبعثون فلأصنامكم شفاعة عند ربكم وقد أخلفتكم فيما وعدتكم، فحق عليكم وعيد ربكم، وقد كان عليكم ألا تنخدعوا بما زخرفته لكم من القول، وأَن تعصوني فيما أمرتكم به.

﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾: أَي وما كان لي عليكم من جبروت وسلطان يقهركم على اتباعي، فلا قوة لي ولا حجة معى، حتى تستحبيبوا إلى ما دعوتكم إليه، لكنكم أَسرعتم إلى إجابتى تلبية لشهواتكم وإشباع نزواتكم.

﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: أَي فلا تلومونى اليوم على ما انتهى أَمركم إليه من عذاب النار، ولوموا أَنفسكم، فإن لكم النصيب الأوْفى من اختيار السبيل الموصل إليه.

ثم بين لهم الشيطان حقيقية أَمره وأَمرهم وهوانهم على الله وذلك ما حكاه الله تعالى عنه بقوله:

﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾: أَي لست اليوم بمغيثكُم مما أنتم فيه من عذاب الضلال ووباله، ولستم بمُغيثىَّ مما أنا فيه من عذاب الإِضلال ونكاله. ثم زادهم غما على غمهم بإِعلان تبرئه من إشراكهم إيَّاه، فقال في استننكار وإصرار:

﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾: أي إنى برئت من إشراككم إياى، مع الله في الدنيا، حيث أَطعتمونى في الشر كما يطاع الله في الخير كأَني معبود معه، ونظير هذا قوله تعالى: "وَيَوْمَ الْقيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ" (١). ويجوز أن يكون هذا النص حكاية لما كان مِنْ إِبليس في الدنيا في حق الله تعالى، يقوله على سبيل الندم وأَن مثله لا. يستطيع أَن يغيثهم مع ذنبه.

والمعنى حينئذ: إنى حين أبيت السجود لأَبيكم آدم كفرت بالله الذي جعلتمونى له شريكًا، فكيف أَستطيع أَن أطلب من الله أَن يغيثكم مما أَنتم فيه وذنبى عظيم بالنسبة إليه سبحانه، ثم ختم الشيطان كلامه بقوله فيما حكاه الله عنه: (أنَّ الظَّالِمِينَ لهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ):


(١) سورة فاطر، من الآية: ١٤