وبهذا سجل الشيطان اعترافه على نفسه وعلى أَتباعه بأَنهم ظالمون فيما أَحدثوه من الضلال والإِضلال وأَنهم مستحقون بسبب ذلك العذابَ الأَليمَ.
ويجوز أَن يكون هذا القول حكاية لرد الله ﷾ على الشيطان وأَتباعه جميعًا إِقناطًا لهم من رحمة الله -تابعين كانوا أو متبوعين- أَي إِن الظالمين لهم منَّا عذاب أَليم فلا ينفعهم في ذلك اليوم الندم، ولا إِلقاءُ بعضهم التبعة على بعض.
وقد دلت الآية على فساد التقليد في الاعتقاد، لأَن أَتباِع الشيطان لما صدقوه بمجرد دعواه لم يعذرهم الله سبحانه بل عاقبهم كما عاقبه، فعلى كل قادر على النظر والاستدلال أَن ينهج في عقيدته منهج الاحتجاج بالآيات والاستدلال بالبراهين القطعية.
ولما ذكر ﷾ جزاءَ الأَشقياءِ بما صاروا إِليه من الخزى والعذاب الأَليم، أَتبع ذلك جزاءَ السعداءِ بما أَعد لهم من النعيم المقيم فقال جل ثناؤُه:
٢٣ - (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .... ) الآية. أَي أُدخل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات -أَدخلوهم- جنات أُعدَّت لهم، تجرى من تحت أَشجارها وقصورها الأَنهار. (خَالِدِينَ فِيهَا): أَي ماكثين فيها أَبدًا لا يخرجون منها ولا يُخْرجهم منها أَحد، فنعيمهم دائم وسعادتهم لا نهاية لها، وكل ذلك (بِإِذْنِ رَّبِهمْ): وأَمره وفضله لا بعملهم فحسب، ومصداق ذلك قوله ﷺ:(لَنْ يُدْخل أَحدًا عملُهُ الجنَّةَ، قالوا ولا أَنت يا رسول الله؟ قال: ولا أَنا إِلا أَن يتغمدنى الله بفضل ورحمة). الحديث أَخرجه الصحاح واللفظ للبخارى. (تَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَامٌ): أَي يحيى بعضهم بعضًا بالسلام، والسلام هو تحية الله وملائكته اختارها الله لعباده المؤمنين في الدنيا وفي الجنة دار السَّلام.