للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بها. ثم بين سبحانه جزاءهم الذي لا مفر منه، ولا محيص عنه فقال تعالى:

(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ): أَي إِن دمتم على ما أَنتم عليه. من الاستجابة لداعى الشهوة، ودافع الانحراف. فإِن مآلهم إِلى نار جهنم فيها مستقَركم ومأْواكم، أَو هو تعليل لأَمرهم بالتمتع، وفيه من التهديد الشديد، والوعيد القوى ما لا يوصف.

والمعنى تمتعوا بما شئتم فلا أَمل لكم في النجاة لأَن مردكم، ومرجعكم إِلى النار لا لِشَيء سواها.

٣١ - (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ .... ) الآية.

لما هدد الله الكفار وعجّب من قبح ما فعلوا حيث بدلوا نعمة الله كفرًا، وأَضلوا أَتباعهم وأَشركوا به تعالى، واقترفوا كل منكر. أَنزل هذه الآية تكليفًا لنبيه بأَن يأَمر عباده المؤمنين بأَداءِ العبادة البدنية تامة كاملة، والإِقبال على العبادة المالية بنفوس راضية.

والمعنى: قل يا محمد لعبادى الذين استجابوا دعوة ربهم فآمنوا، قل لهم: أَقيموا الصلاة وأَدوها حق أَدائها بأَركانها وشروطها في أَوقاتها، وقيل لهم أَيضًا أَدوا الزكاة وأَنفقوا مما رزقكم الله على المحتاجين والمعوزين، فإِن المال مال الله فهو معطيه ومسبب أَسبابه، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاءُ من عباده ويقدر، وقد أَبحنا لهم أَن ينفقوا سرًّا كما يشاءُون، وعلنًا كما يحبون، بغير مَنٍّ ولا رياءٍ.

والمراد حث المؤمنين على أَداء عبادته البدنية والمالية شكرًا، لنعمه التي تفضل بها عليهم.

واعلم أَن الأَفضل في إِنفاق التطوع الإِخفاء، وفي إِنفاق الواجب الإِعلان، وعلى العباد أَن يسارعوا إِلى امتثال ما أُمروا به من إِقامة الصلاة والإِنفاق.

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ): فإِنه إِذا جاءَ ذلك اليوم لا يتسنى لمقصر في دنياه، أَن يتلافى تقصيره هذا، أو يفتدى نفسه بما يكسبه من بيع أَو شراء أَو بشفاعة خليل، فإنه لا بيع في هذا اليوم ولا شراءَ، ولا تنفع فيه شفاعة الأصدقاءِ والأَخلاءِ إِذا لقى العبد ربه كافرًا، حيث "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (١). وإِنما ينفعه إِيمانه وعمله الصالح، ابتغاءَ وجه الله ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ (٢).


(١) الشعراء - ٨٨
(٢) سورة الليل من ١٩ - ٢١