للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِبراهيم لربه، بعد أن أَسكن إسماعيل وأُمه وادي مكة "ربِّ اجْعلْ هذا الْبَلَدَ آمِنًا": أَى يا إِلهى الذى أَعبده اجعل مكة -شرفها الله- بلدًا ذا أَمن، حتى يأمن أهله على أنفسهم وأَموالهم وأَعراضهم.

﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾: أَى أَبعدنى وذريتى عن عبادة الأصنام، والمراد ثبتنا على ما نحن عليه من البعد عن عبادتها، وإنما سأل إبراهيم هذا لنفسه مع أَن الأنبياءَ جميعًا معصومون من الشرك، للإِيذان بأن العصمة بفضل الله ومعونته وتوفيقه، كما أَن فيه هضمًا لنفسه واعترافًا بحاجته إلى فضل ربه فى كل أَمر، والمراد من بنيه من اتبعه في شريعته من ذريته بدليل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ فكأنه لا يعتبر من ذريته من لم يتبعه، وعلى هذا تكون دعوته مستجابة تمامًا حسب نيته، ويؤَكد هذا المعنى ما جاءَ فى سورة البقرة من قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (١).

٣٦ - ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾:

لما كانت الأَصنام سببًا للإضلال أَسند إِليها الإِضلال مجازًا، لأنهن جماد فلا يعقل

منهن ذلك على الحقيقة.

وجملة: ﴿إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾: تعليل لدعاءِ إبراهيم السابق، وهو قوله: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾. وصدر هذا التعليل بقوله (رَبِّ)، إظهارا للاعتناء به، ورغبة فى استجابته -والمعنى: وأَبعدني وذريتي عن أَن نعبد الأصنام يا رب لأنهن تسببن فى إِضلال كثير من الناس، بنصبها شركاءَ لِله فى العبادة ومشاهدة الأبناء للآباءَ في تقديسهم لها، فكان ذلك مُغْريًا لهم بعبادتها، ثم إِن إِبراهيم أدرك بفطرته أَن بنيه سوف ينقسمون بعده إلى موحدين ومشركين، فلذلك أَظهر لربه أنه لا يستحق الانتساب إِليه إلا من اتبعه فى دينه دون من عصاه، وذلك ما حكاه الله بقوله:

﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾:

أي فمن تبعني منهم في التوحيد والإسلام الذي هو دين الله، فإنه متصل بي نسبًا ودينًا،

ومن عصاني بإعراضه عن التوحيد الذى أدعو إِليه، وإصراره على المعاصي.


(١) سورة البقرة من الآية ١٢٤.