للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: أى فإنك أَهل للغفران الشامل والرحمة الواسعة، ومن كان كذلك فإنه يغفر لأمثالهم ويرحمهم، فإِن قيل: إن من ذريته من عصاه بالإِشراك بالله، فكيف يدعو له بالمغفرة والرحمة، فالجواب أَنه دعا هذا الدعاءَ الشامل قبل أَن يعرف أَن الله لا يغفر أَن يشرك به، أَو أنه قيده فى نفسه بالتوبة من الشرك، فكأَنه قال: فإنك غفور رحيم لمن تاب منهم قبل موته، وقال مقاتل وابن حَيَّان المعنى: " ومن عصاني" فيما دون الشرك فإِنك غفور رحيم.

٣٧ - ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾:

المقصود من ذريته فى الآية ابنه البكر إِسماعيل الذى ولد له فى شيخوخته من أمَتِهِ هاجر التى وهبها ملك مصر لزوجته سارة، فوهبتها له.

وكانت سارة عقيمًا زمنا طويلا، فلما ولدت هاجر التى كانت جاريتها، حدث فى نفسها ما يحدث للنساء من الغيرة، فناشدته أن يخرجهما من عندها، فذهب بهما إلى أَرض مكة، ووضعهما هناك، حيث لا يوجد زرع ولا ماءٌ، ولا أحد يقيم بتلك الأَرض الموحشة، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسقاءً فيه ماءٌ، ئم قفل إبراهيم راجعًا، فتبعته أُم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي لا أنيس فيه ولا شيءَ، ولما لم يجبها قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إِذن لا يضيعنا، ثم رجعت.

وانطلق إبراهيم ، حتى إِذا كان عند الثنية -حيث لا يريانه استقبل البيت بوجهه، وكان إذ ذاك مرتَفَعًا من الأرض كالرابية، ثم دعا رافعًا يديه فقال: "رب إِني أَسكنت من ذريتي" إِلى قوله "لعلهم يشكرون (١) "، وقد آثر فى نداءِ ربه صيغة الجماعة بقوله: "رَبَّنا" لتقدم ذكره وذكر بنية، والتعرض لوصف ربوبيته لهم أَدخل فى القبول وإِجابة المطلوب.

والمعنى: ربنا إِني أَسكنت بعض ذريتي بواد لا ماءَ به ولا زرع، عند المكان الذي أَعددتَه لبيتك المحرم، مع أَن هذا المكان غير صالح للسكنى لفقد الماءِ والزرع، وقد أَقدمت على ذلك استجابة لأمرك، وتقربًا إِليك، وثقة بأنك سترعى ذريتي بعد أَن لجأت إلى جوارك الكريم.


(١) القصة رواها البخاري مطولة فارجع إليه إن شئت.