وإضافة البيت إِلى الله تعالى لأنه لا يملكه غيره، ولا يُصَلَّى نحوه إلى سواه، ووصف البيت بالمحرم للإِيذان بعزة الملجإ، وعصمته عن المكاره، حيث حرم التعرض له والتهاون به.
﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾: في هذه الجملة تعليل لإِسكان بعض ذريته فى هذه البقعة الجرداء المجاورة للبيت الحرام.
والمعنى: يا ربنا ما أَسكنت بعض ذريتي بهذا الوادي البلقع الخالي من كل مرتزق إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم، ويعمروه بالذكر والعبادة، والتعبير بصيغة الجمع فى قوله: ﴿لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾: مع أَنه لا يوجد من ذريته سوى إسماعيل يؤذن بأن الله تعالى أَعلمَه أن ولده إسماعيل، سيعيش وتكون له ذرية كثيرة، وسيكون رسولا إليهم ليقيموا الصلاة على شريعته.
أَى فاجعل قلوبا من قلوب الناس تسرع إليهم شوقًا وودًّا ليساكنوهم ويعيشوا معهم، وأَول آثار هذه الدعوة أنه تعالى أنبع ماءَ زمزم، ومرت رفقة من جرهم تريد الشام، فرأَوا الطير تحوم على الجبل، فقالوا إِن هذا الطائر لعائف على الماءِ، فأشرفوا، فإذا هم بِهَاجَرَ، فقالوا إِن شئت كنا معك وآنسناك.
﴿وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾: فاستجاب الله دعاءه، ورزق ذريته وكل من انحاز إليهم بما أَنبت لهم من أَشجار الفاكهة المختلفة بقرى قريبة كالطائف، أو ما يجلب إليهم من الأمصار والأقطار الشاسعة من مختلف الفواكه والثمار، حتى أصبحت لديهم كثيرة موفورة، يجتمع منها عندهم الأنواع المتعددة فى اليوم الواحد، وفى ذلك يقول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا﴾ (١).
وهذا من فضل الله وكرمه، ليكون عونا على عبادته والرغبة فى البقاء فى حراسة حرمه، وليجعل من موطنهم القفر ومنزلهم الموحش. مطمح الأنظار ومحط الرحال. وهي لذلك تستوجب منهم أداء مراسم العبودية تامة كاملة شكرا له تعالى وثناء عليه.