والمعنى: يا ربنا إِنك تعلم كل أَحوالنا، لا يخفى عليك شيء منها. فتعلم ما نخفيه ونستره وما نعلنه ونظهره، فكل ذلك عندك في العلم سواءٌ.
وقال ابن عباس ومقاتل في تفسير هذه الجملة: تعلم جميع ما أُخفيه وما أُعلنه من الوجد بإِسماعيل وأُمه، حيث أَسكنتهما بواد غير ذى زرع.
ولكن حمل الآية على عموم أَحوالهم أَولى، ويدخل فيه ما يتعلق بإِسماعيل وأُمه، وقدم نخفى على نعلن في الذكر، لأَن مرتبة الإِسرار متقدمة على مرقبة الإِعلان، فما من شيءٍ أُظهر إِلا كان قبل ذلك في طي الكتمان، وبعد أَن اعترف إِبراهيم لربه بأَنه سبحانه يعلم ما يخفيه وما يعلنه هو وذريته، أَقرَّ لربه بعلمه ما في الكون حيث قال:
(وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ): أَي أَنه تعالى لا يخفى عليه في سماواته وأَرضه شيء من الذرات والأَجزاءِ والأَوصاف والأَعراض، وما يصلح ذلك وما يفسده، وما يبقيه وما يفنيه:"وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ".
ويقصد إِبراهيم ﵇ بقوله:"وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ" إِلخ أَداءَ حق ربه عليه، وتعليم ذريته ما يجب عليهم إِدراكه من شئون ربهم، ليخافوه في سرهم وعلنهم.
ويجوز أَن تكون هذه الجملة من قوله تعالى، إِجابة منه لإِبراهيم حين قال:"رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ". تصديقا له وتأييدًا لشهادته، وتوسيعا لدائرة علمه جل وعلا تعليما لعباده.