﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾: أي يصدر عنهم هذا القول في ذلك اليوم، والعدول عن لفظ -فيقولون- إلى ما في النظم الكريم. لتسجيل الظلم عليهم، وأَنه سبب ما ينالهم من شدة ونكال، وفي قولهم (رَبَّنَا أخِّرْنَا) إلخ إشارة إِلى ندمهم وعجزهم عن الاحتمال. قال الضحاك ومجاهد: إنهم طلبوا الإِمهال والرد إِلى الدنيا للرجوع إلى حال التكليف، وقد طلبوه إِلى أَمد من الزمن قريب حين ظهر لهم الحق. ليعملوا فيه ما يرضيه جل شأنه، وسجلوا ذلك على أَنفسهم فقالوا:(نُجِب دَعْوَتَك): إِلى الإِسلام بتوحيدك، واتباع تعاليم دينك، وذلك ما صرَّحُوا به فى قولهم:(وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ): فيما جاءُوا به مبشرين ومنذرين، أي نتدارك ما فرطنا فيه بإعراضنا عن إجابة الدعوة واتباع الرسل، وجيء بلفظ الرسل لأن الحديث عن يوم القيامة الذي يجمع الرسل وأُممهم.
ولما كانت طبيعة الظالمين الكذب والافتراء، وأَن يقولوا ما لا يفعلون أجابهم الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾: أَى فيقال لهم ردًّا على قولهم توبيخا لهم وتبكيتا، وبعثا على اليأس والحسرة: أَو لم تكونوا في الدنيا تحلفون بألسنتكم أَنكم لا تزولون ولا تتحولون من قبوركم إِلى دار أُخرى، وأَنه لا معاد ولا جزاءَ. -كما أَخبر عنهم الله ﷾ بقوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾.
٤٥ - ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ … ﴾: أَي وأَقمتم في مساكن الَّذين ظلموا أنفسهم من الكافرين المهلكين قبلكم، وكنتم فيها سائرين سيرتهم في الظلم بالكفر واقتراف المعاصي، وليس لكم فيهم معتبر ولا فيما أَوقعناه بهم مزدجر.
﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾: أَي ظهر لكم بمشاهدة الآثار الباقية من ديارهم التي أُبيدت وأَصبحت أثرا بعد عين، وبتواتر أَخبارهم -ظهر لكم- ما صنعناه بهم من تدمير وإِهلإك بسبب ما اقترفوا من ظلم وإفساد. ﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾: أَي بينا لكم في التنزيل على ألسنة