للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأَنبياء أَحوالهم جميعها: ما فعلوه وما فُعل بهم من الأمور التي هي في الغرابة كالأَمثال المضروبة: لتكون لكم فيها عظة وعبرة. بقياس أَعمالكم على أَعمالهم، ومآلكم على مآلهم. فترتدعوا عما أَنتم فيه من الشرك والضلال طلبا للنجاة. أَوبينا لكم أَنكم مثلهُم في الكفر واستحقاق العذاب، وتكون الأَمثال على هذا جمع مِثْل بمعنى الشبيه والنظير.

٤٦ - (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ): أَي فعلنا بهم ما فعلنا والحال أَنهم مكروا مكرهم البالغ الذي استنفدوا فيه طاقتهم، وبذلوا في تدبيره كل مجهود لهم، سعيا في إِبطال الحق وتقرير الباطل، وقد جاوزوا بمكرهم كل حد. وفي هذا إِشارة إِلى تمام استحقاقهم ما فعل بهم.

(وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ): أَي وعنده عِلْمُ مكرهم الذي يهلكهم به أَو عنده جزاءُ مكرهم الذي فعلوه، وتسمية عقابهم مكرا لكونه في مقابلة مكرهم وجودا وذكرا ويسمى هذا مشاكلة في اصطلاح علماء البلاغة، أَو لكونه في صورة المكر لوقوعه من حيث لا يشعرون.

(وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ): أَي وإِن كان مكرهم في غاية القوة ومنتهى الشدة، بحيث يكون معدا لإِزالة الجبال عن مقارها، وهي التي جعلها الله للأَرض أَوتادا تحفظ توازنها وتضمن سلامتها. والمراد أَنه الله مجازيهم على مكرهم ومبطل أَثره. وإِن كانت تزول منه الجبال. وذلك إِشارة إِلى مؤَاخذتهم على أَي حال، وعدم التفاوت بين كون مكرهم ضعيفًا أَو قويا.

وعن الحسن وجماعة: أَن "إِن" نافية. واللام لتأْكيدها كما في قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ". والمعنى على هذا: وَمَكَرُوا مَكْرَهُمْ وعند الله جزاء مكرهم والحال أَنه ما كان له أَثر وخطر عند الله حتى يزول منه ما هو كالجبال في الرسوخ من آيات الله وشرائعة ومعجزاته على أَيدى الرسل السابقين (١).


(١) قالوا ويؤيد هذا المعنى قراءة ابن مسعود "وما كان مكرهم لتزول الجبال". حيث جاءت فيها (ما). النافية مكان (إن).