وإِذا كان الله قد أمرك أَن تنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ويكون من أَمر الظالمين فيه ما تقدم بيانه، فدم على ما أَنت عليه من كمال الثقة بالله. واليقين بإنجاز وعده الذى وعده رسله.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾: أي أنه جل شأنه غالب لا يغالَبُ، قادر يفعل ما يريد، فينتقم لأوليائه من أَعدائه. والجملة تذييل وتعليل للنهي السابق وهو قوله سبحانه: ﴿فَلَا تَحْسَبَنّ﴾. والتعرض لوصف العزة والانتقام يؤَكد عدم إخلاف وعده رسله بتعذيب الظالمين جزاءَ ما اقترفوا من إِفك وطغيان، وفى جملتهم قريش.
٤٨ - ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ..... ﴾: أَي أَن الله ينتقم من الظالمين بتعذيبهم يوم تبدل الأرض غير الأرض.
واعلم أن التبديل قد يكون في الذات وقد يكون فى الصفات، والآية ليست نصًّا في أحد الوجهين، والله أَعلم كيف يتم هذا التبديل.
﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾: أى وخرج الخلائق من قبورهم، أو الظالمون المدلول عليهم بما سبق، أَو المراد ظهورهم بأعمالهم التى عملوها سرا وزعموا أنها لا تظهر، وعبر عن البروز بصيغة الماضى لتحقق الوقوع. لأَنه لا مناص لهم من لقاء الله الواحد الغالب على أَمره، الفعال لما يريد، لمحاسبتهم على أعمالهم، ومجازاتهم عليها، وفي وصفه سبحانه بالوحدانية والقهر إشعار بأنهم عنده على خطر عظيم، وإيذان بتحقق العذاب الموعود.
٤٩ - ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ … ﴾: أَي تبصرُ الكافرين يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات. ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾: أَي مجموعًا بعضُهم مع بعض في قَرَن، وهو الوثاق الذى يربط به ويضم كل امريء لمشاركه.
٥٠ - ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ .... ﴾: أَى قُمُصهم من قطران، وهو سائل حار أَسود اللون منتن الرائحة، يساعد على سرعة اشتعال النار، تطلى به الإبل الجربى فيحرق الجرب كما تطلى به جلود أَهل النار حتى يكون عليهم كالسرابيل، ليذوقوا أشد العذاب وأَقساه، بنار سريعة الاشتعال. شديدة الإِيلام تجعل أَجسامهم سوداءَ داكنة، تفوح منها الروائح التي تزكم الأُنوف، وتقبض النفوس.
﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾: أى تعلوها وتحيط بها كما تحيط بأجسادهم المسربلة بالقطران. وتخصيص الوجوه بالذكر مع أن غشيان النار حكم عام لسائر الأعضاء،