لتنبههم إِلى أَن أَعز الأَعضاء الظاهرة وأَشرفها تحيط بها النار، لكونها مجمع المشاعر والحواس التي خلقت لإِدراك الحق، وقد أَجرموا بالإِعراض عنه، ولم يستعملوها في تدبره والوصول إليه. ولعل تركها من الطلاءِ بالقطران ليتعارفوا عند انحسار اللهب أَحيانا، ويتضاعف عذابهم بالخزى على رءوس الأَشهاد.
٥١ - (لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ … ): أَي يفعل الله بهم ما ذكرا. ليجزى كل نفس مجرمة. جزاءً مواففًا لما اقترفت من كفر وعصيان، ويجوز أَن يراد من النفس ما يعم المطيعة والعاصية فيكون المعنى: وبرزوا لله الواحد القهار، ليجزى كل نفس مطيعة أَو عاصية ما كسبت من خير أَو شر.
(إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ): فهو سبحانه لا يشغله شأْن عن شأْن، ولا يحتاج إِلى تأَمل وتدبر في إِصدار حكمه. بل يتمه في أَعجل وأَسرع زمن.
٥٢ - (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ..... ): هذا إِشارة إِلى ما ذكر من قوله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا" إِلى قوله: "إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ". أَي ذلك كفاية في العظة والاعتبار والتذكير، فما ظَنُّك بما انطوت عليه السورة وما اشتمل عليه القرآن المجيد من فنون العظات والقوارع وهذا البلاغ إِمَّا للكفار خاصة على اعتبار اختصاص الإِندار بهم في قوله تعالى:"وَأَنْذِر النَّاس". وإما للناس عامة على اعتبار شمول الإِنذار لجميع الناس. (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ): معطوف على مقدر أَي هذا كفاية للناس لينصحوا ولينذروا به ويجوز أَن يكون البلاغ بمعنى الإِبلاغ، كما في قوله تعالى:(مَا عَلى الرَّسُول إِلاَّ البَلَاغُ). والمعنى: هذا إِبلاغ للناس ليفهموه وليذروا به. (وَلِيَعْلَمُوا): بالتفكر والتأَمل فيما فيه من البراهين الساطعة، والدلائل الواضحة التي أَنبأَت عن إِهلاك الأُمم السابقة، وإِسكان آخرين مساكنهم إِلى غير ذلك مما حكته الآيات التي تقدمت. هذا كله ليعلموا:
(أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ): تنزه عن الشريك والمثيل، وتقديم الإِنذار لأَنه الداعى إِلى التأَمل المؤدى إِلى الغاية منه، وهو العلم بوحدانية الله جل وعلا.
(وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ): أَي هذا بلاع للناس لما تقدم وليتذكروا شئون الله مع عباده وما يعملون في حياتهم فيرتدعوا عما يهلكهم، وذلك باجتناب ما اتصف به الكفار، والتذرع بما يقربهم إِلى الله، من التمسك بالعقائد الحقة والأَعمال الطيبة، وفي تخصيص التذكر بأُولى الأَلباب إِعلاءٌ لشأنهم، وحض الناس على أَن يكونوا منهم لينتفعوا مثلهم بمواعظه -والله تعالى أعلم.