للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع، لما يتقدمه من توطين النفس، وأن الجواب العتيد (١) قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، وأَردُّ لشغبه - وفي هذا أيضًا - إعجاز قرآني، للإخبار بالغيب قبل وقوعه.

وذهب القرطبي وغيره: إلى أن الفعل: ﴿سَيَقُولُ﴾، بمعنى: قال، وأن الآية الكريمة أوردت الماضي بصيغة المستقبل، دلالة على استمرار ذلك القول وتجدده.

والسفهاءُ المتسائلون عن تحويل القبلة هم اليهود، كما ذكر ابن عباس، أو المشركون كما ذكر الحسن، أو المنافقون، كما ذكر السُّدِّيّ ..

قال الراغب: ولا تنافي بين أقوالهم، فكلٌّ قد عابوا، وكلٌّ سفهاء.

وقد تناولت الآيات السابقة: أن أهل الكتاب سفهوا على ملة إبراهيم فإنهم علموا الحق، وكتموه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ (٢) وجاءت هذه الآية الكريمة، لتذكر لونًا آخر من ألوان سفههم، وسَفَهِ من ماثلهم من المشركين والمنافقين.

والتعبير بقوله ﴿السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ للإيذان بأنهم انفردوا من بين الناس بالحمق والجهل. أما غيرهم من المؤمنين فقد كملهم الله بالعقل، فاطمأنوا لحكمة الله في تحويل القبلة.

مضمون الآية: أن الله - تعالى - سيستجيب لكم، ويوليكم قبلة ترضونها، وهي البيت الحرام، وسيقول السفهاء حينئذ: ما الذي جعل المسلمين يتجهون إلى البيت الحرام، وينصرفون عن بيت المقدس؟

وقد لَقَّن الله رسوله الإجابة على ذلك، بأن الله - تعالى - ليس محدودًا بمكان أو زمان فقال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾: ومن كان له المشرق والمغرب، فله الأرض كلها. فكل مكان منها مشرق عند قوم، مغرب عند آخرين، وإذا كانت الأرض كلها لله، فله - سبحانه - أن يختار منها ما يشاء، ليكون قبلة لكم، تتجهون إليها في العبادة.


(١) العتيد: المهيأ والمعد.
(٢) البقرة: ١٤٠.