للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن قيل: ما الحكمة في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، مع أن الله يقول: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ ويقول: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ فلماذا لم تبق إلى بيت المقدس عملًا بالآيتين المذكورتين. فكما ينطبقان على الكعبة، ينطبقان على بيت المقدس وسواهما؟

فالجواب من نواح ثلاث:

الأولى: أن الحكمة فيه مذكورة في الآية التالية، في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ … ﴾ الآية، وسيأتي بيانها.

والثانية: أن الكعبة كانت قبلة لإبراهيم والنبي والمؤمنون أولى الناس باتباعه. قال تعالى: ﴿إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا … ﴾ الآية (١).

والثالثة: أن في التحويل إليها تأليفًا لقلوب قريش ومشركي العرب: الذين يقدسون الكعبة، ويسوؤهم الانصراف عنها.

﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾: أي يرشد مَن يشاءُ إرشاده إلى طريق مستقيم يوصل إلى سعادة الدارين. وقد هدانا إليه أولًا، حينما أمرنا باستقبال بيت المقدس: قبلة النبيين، ثم هدانا إليه آخرًا، حينما أمرنا باستقبال الكعبة، قبلة أبينا إبراهيم، وفي كلٍّ خير ورشاد.

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)


(١) آل عمران: ٦٨.