يارب، فيقول: هل بلَّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأُمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلَّغ، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، فذلك قوله ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا … ﴾ الآية.
وقد جاءَ في رواية أحمد وغيره: أنه - تعالى - يستشهد أمة محمد على تبليغ سائر الأنبياء لأُممهم، ولا تقتصر شهادتهم على نوح: الذي ورد إفراده بالشهادة في رواية البخاري المذكورة.
(وعلَى) في قوله: ﴿عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ بمعنى اللام، كما قاله القرطبي، أي ويكون الرسول لكم شهيدًا، أو للمشاكلة بين قوله: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ وقوله: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.
ثم تحول الخطاب للأمة - من قوله - تعالى - لهم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا … ﴾ الآية - إلى خطاب الرسول، بقوله - تعالى -: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾. للإيذان بأن خطابه خطاب لهم، وأنه كان معهم فيما كانوا فيه من استقبال بيت المقدس: لم ينفرد عنهم.
والمعنى: وما جعلنا قبلتك الأولى - بيت المقدس - ثم حولناك عنها، إلى البيت الحرام، إلا لنميز من يتبعك - في كلتيهما - ممن ينصرف عن اتباعك، فإن اتباع الرسول - ولو كان فيما تكرهه النفس - من آثار الإيمان والتسليم لمن هو أعلم بالحكمة، وهو الله - تعالى - فالحكمة في تحويل القبلة: تمييز الصادق في الإيمان عن غيره.
وقد ظهر أثر ذلك بارتداء بعض أهل الكتاب الذين أسلموا عن الإيمان، بعد تحويل القبلة إلى الكعبة، وجعلوا يرجفون مع بعضهم قائلين: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾. والله - سبحانه - يعلم ما كان وما يكون.