أي وإن كانت التولية إلى الكعبة لكبيرة، أي ثقيلة الوقع على النفوس، لما في مخالفة المألوف من مشقة. ولكن الأمر يسيرٌ على من هداهم لله، لأن القضية عندهم، قضية طاعة الله ورسوله، وليست الاستمساك بعادة مألوفة، أو تفضيل جهة على غيرها من الجهات. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (١).
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾:
جاء في حديث رواه البخاري عن البراء بن عازب، قوله: وكان الذي مات على القبلة - قبل أن تحول إلى البيت - رجالا قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم! فأنزل الله - عزل وجل - قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾.
وأَخرج الترمذي عن ابن عباس قال: لما وجه النبي ﷺ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله: كيف بإخواننا الذين ماتوا، وهم يضلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والمعنى: وما كان الله ليُضيع صلاتكم إلى بيت المقدس قبل نسخ التوجه إليه، بل سيثيبكم عليها، لأَنها كانت - حينئذ - إلى قبلة مشروعة.
وإذا لم ننظر إلى سبب النزول، كان المعنى: وما صح ولا استقام: أن الله - سبحانه - يُضيع إيمانكم وثباتكم على طاعة الله ورسوله، في الاتجاه - أولا - إلى بيت المقدس، ثم في الاتجاه - ثانيا - إلى البيت الحرام.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾: تعليل للجملة السابقة، مؤكد بإن واللام، يعني: أن الله - سبحانه - يشمل الناس برأفته ورحمته، وبخاصة عباده المؤمنين الطائعين، فلهذا لا يضيع إيمانهم.