خيرى الدنيا والآخرة. وهؤلاء يقول فيهم سبحانه:(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا): أي وقال القادمون على مكة للسؤال عمَّا أنزَله الله على النبي الذي سمعوا بمبعثه -قالوا- للمتقين من المؤمنين:(ماذا أنْزَلَ ربُّكم؟): أى ما الذى أنزله ربكم على رسوله: (قَالُوا خَيرًا): أي قالوا لهم: أنزل خيرًا كثيرًا وهو القرآن ففيه الخير كله، فهو رحمة وهدى وبركة لمن اتبعه وآمن به، وهم فى جوابهم هذا يخالفون الكفار. حيث أنكروا إنزاله بما أجابوا به بقولهم:"أساطِيرُ الأوَّلِينَ".
روى أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبي ﵇. فقد نقل عن السُّدى قال: اجتمعت قريش فقالوا: إن محمدًا ﷺ رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله. فانظروا أُناسًا من أشرافكم. فابعثوهم فى كل طريق من طرق مكة. فمن جاء يريده ردوه عنه. فكان إذا أقبل الرجل وافدًا لقومه ينظر ما يقول محمد ﷺ فينزل بهم. فيكفونه عنه، ويأمرونه بالانصراف. قائلين له: إِن لم تلقه كان خيرًا لك. لأَنه رجل لم يتبعه على أمره إلا السفهاءُ والعبيد ومن لا خير فيهم، أما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقوه، فإذا كان الوافد ممن أراد الله لهم الرشاد. وقالوا له مثل ما قالوا لغيره أَجابهم بقوله: أنا شرُّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه. فيلقى أَصحاب محمه ﵃ فيسَألهم فيخبرونه بحقيقة الحال: اهـ.
وعلى هذا فالسائلون هم الوافدون. والمجيبون هم المؤمئون: ويجوز أَن يكون السائلون والمسئولون من المؤْمنين، حيث يسأل بعضهم بعضًا. ليقوى إيمانه. وليشعر بلذة الجواب الذى يعلمه. ويرغب فى سماعه، وقد يكون السائل من الكفرة المعاندين وغرضه التلاعب والتهكم.
ثم أَخبر سبحانه عما أَعدَّه الله لعباده المتقين من حسن الجزاء في الدنيا والآخرة فقال تعالى:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾: أي للذين أحسنوا القول والعمل فى الدنيا حسنة جزاءَ إحسانهم ينالونها فى الدنيا، والمراد بها النصْر والفتْح والمدحُ والثناءُ وغير ذلك من المكرمات.