﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾: أى مثوبتها خير وأعظم مما أُوتوه فى الدنيا من مثوبة لأنها إلى بقاءٍ. وكل ما فى الدنيا إلى فناءٍ، ولأن نعيمها لا يعدله نعيم آخر. ولهذا ختم الآية بمدحها بقوله:
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾: أى دار الآخرة، واعلم أن قوله سبحانه:"للذين أَحسنوا فى هذه الدنيا حسنة .. " الآية -إما أنه مستأنف للثناء على من أجابوا السائلين بأنه تعالى أنزل خيرًا، حيث وصفهم بأنهم أحسنوا فى هذه الدنيا إحسانًا مطلقًا، وعدَّ جوابهم عما سئلوا عنه من جملة إحسانهم، ووعدهم عليه الجزاءَ الأوفى. وإمَّا أن يكون هذا القول الكريم تفسيرا منهم لقولهم:"خيرًا" أى قالوا أنزل خيرًا. ذلك الخير الذى قالوه هو للذين أَحسنوا إلخ. قالوه ترغيبًا للسائل وإخبارًا عما وعد الله به عباده فيما أنزله على رسله.
٣١ - ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا … ﴾: أى إن الدار التى وعد بها المتقون هى جنات إقامة واستقرار لا يخرجون منها باختيارهم ولا يخرجهم منها أَحد. وهذه الجنات تجرى من تحت أشجارها وبين قصورها الأنهار. إتمامًا لبهَائها وجمالها وكمال الابتهاج بها.
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾: أَى لأهل الجنة دون سواهم من أنواع المشتهيات التى تميل إليها نفوسهم وتركب فيها طباعُهم فتتمناها.
﴿كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾: أي مثل ذلك الجزاء العظيم يجزى الله كل من اتقاه وابتعد عن الشرك وتجنب المعاصى والآثام. فلا يختص به أحد دون آخر. وفي هذا الوعد الكريم إشارة إلى تحسير الكفار. وتحزينهم على ما كان منهم. حينما سئلوا عما أنزل ربهم إذ ﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ حيث حرموا هذا الثواب الجزيل الذى حصل عليه المتقون بحُسن إيمانهم وصادق جوابهم للسائلين.
٣٢ - ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ … ﴾: هذا بيان لحال المتقين عند الاحتضار أي هم الذين تتوفاهم الملائكة طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصى، ومن كل سوءٍ، ووصفوا بذلك للإيذان بأن التقوى لا تتحقق إلا بالطهارة عما ذكر إلى وقت الوفاة، حثًّا لهم على التسمك والاستمرار، ولغيرهم على التحصيل والعمل، وقيل: هو كلام مستأنف