للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- يجعلون لها - نصيبًا مما أعطاهم الله من الزروع والأَنعام وسائر الأَوراق، تقربًا إليها، وما لها عليهم من فضل، ولا لها عليهم من سبيل، ولا هي مدركة ما يُتَقَرَّبُ به إِليها، ثم ختم الله الآية بوعيدهم فقال:

﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾:

أي وحقّ الله المنزه عن الشريك والمثيل ليسأَلنكم الله سؤال توبيخ وحساب يوم القيامة، عن الذي كنتم تختلقونه في الدنيا من شركة أَوثانكم لله، واستحقاقها للعبادة معه، ثم يجزيكم على افترائكم.

٥٧ - ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾:

كانت خزاعة وكنانة يزعمان أَن الملائكة بنات الله، وقد انطوى هذا الزعم على فريتين: إِحداهما: أَن الملائكة إِناث، وثانيتهما: أَنهم بنات الله، فأَما الزعم الأَول فقد ردَّه الله بقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (١). وأَما الزعم الثاني فقد ردَّه الله بهذه الآية.

والمعنى: ويجعل المشركون البنات لله حيث يزعمون أَن الملائكة بنات الله - سبحانه وتنزيها له عن هذا الزعم الفاسد - والحال أَنهم يجعلون لأَنفسهم ما يحبون من البنين، فهم بذلك يختارون لأنفسهم في التبني، أفضل مما يختارون لربهم، تعالى الله عن التبنى بجانبيه علوًّا كبيرًا.

ثم يُوبِّخُهم الله على هذه النسبة أكثر مما مضى وأَصرح فيقول:

٥٨ - ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾: أَي وإِذا أخْبِر أَحد هؤُلاءِ بولادة أنثى له، صار وجهه قاتم اللون كأَنما علاه السواد غيظًا من شدَّة الغَمِّ والحياء من الناس كأنما ارتكب ما يخجله. ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾: أَي وهو ممتلئٌ غيظًا وغضبًا، ثم يبلغ به الخجل من البشارة، بالأنثى إِلى ما حكى الله بقوله:


(١) سورة الزخرف، الآية: ١٩