أَي يستخفي من قومه حتى لا يروه بسبب ما بُشِّرَ به من السوء حينما أخبروه بولادة أنثى له وجعل يحدث نفسه في شأنه ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ فلا يقْتلهُ. ويظل يمسكه ﴿عَلَى هُونٍ﴾: على ذلٍّ وهوانٍ. ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾: بأَن يحْفر له فيه حُفْرة فيدفنه فيها حيا. ويهيل التراب عليه كما كانوا يقول: وأْد البنات من المكرمات، وإذا كان هذا حالهم في كراهة نسبة البنات إِلى أَنفسهم فكيف ينسبونها إِلى الله، إِذ يحكمون بأَن الملائكة بناته، ولهذا قبح الله حكمهم هذا فقال:
﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾: أي أَلا قبُح حكم حيث يجعلون ما هذا شأنه من الحقارة والهوان لديهم - يجعلونه وينسبونه - لله المنزه عن الصاحبة والولد ذكرًا كان أَو أنثى في حين أَنهم يتحاشون الإِناث. ويختارون لأَنفسهم البنين.
فمدار الخطإ نسبتهم البنات لله وهم يأبون ذلك لأَنفسهم في حين أَنه منزه عن الولد مطلقًا ذكرًا كان أَو أنثى، ولذا قال - سبحانه - عقب ما تقدم:
أي لهؤُلاءِ الذين لا يؤْمنون بالآخرة والحساب فيها على ما افتروه - لهم - صفة القبح، من الحاجة إِلى الولد ليقوم مقامهم ويرثهم عند موتهم، وحب البنين دون البنات للاستظهار بهم والانتفاع بكدهم، ووأْد البنات خوفًا من العار وحذرا من الفقر، ولله - تعالى - المثل الأَعلى والصفة العظيمة الشأن من الاستغناء المطلق عن الولد ذكرا كان أَو أنثى، فهو الغَنِىُّ المطلق الْغِنَى في أَمره كله، المنزه عن الحاجة إلى الصاحبة والولد ذكرًا كان أَو أنثى، المستوجب لكل كمال، المنزه عن كل نقص، وهو العزير الغالبا القادر مؤَاخذتهم، الحكيم في كل شئونه، فلهذا لم يعاجلهم بالانتقام منهم، لعلهم يثوبون إلى رشدهم، لهذا قال الله تعالى عقب ذلك: