للشاربين، مع أننا أخرجناه من بين فرث وهو ما في الكرش من روث كريه الرائحة، ودم أَحمر لا يستسيغه الطبع الإنساني.
فأنت ترى أن الأنعام تتناول أَعلافَها جافةً ورطبة، فتمضغها وتزدردها، فيحولها القادر الحكيم بما تفرزه كبودها وأجهزتها الهاضمة من العصارات - يحولها - إلى دم أحمر يدفعه القلب بنظام رتيب إلى أجسادها لتغذيتها، وروث تدفعه كروشها إلى أمعائها الغلاظ، لتتخلص منه آنا بعد آن.
وهذا الدم القاني يتجه بتدبير الله وحكمته إلى ضروع الإناث منها، تلك الضروع التي هيَّأها الله بقدرته وأعدَّها لتحويله إلى لَبن خالص من كل شائبة من تلك الشوائب التي مرَّت بها عملية الهضم والتحويل، فلا ترى في بياضه حمرة الدم، ولا في طعمه أَثرًا لطعوم الأعلاف والدماء والفرَث، ولا تحسُّ برائحةٍ كريهة من هذه الروائح التي احتبست في أجوافها، بل تجده لبنًا أبيض ناصعا خالصًا سائغًا للشاربين فتبارك الله أَحسن الخالقين.
قال القرطبي: السكر ما يُسْكِرُ في مشهور اللغة، ونقل عن بعض السلف أن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر، وأن المراد بالسكرِ الخمر، وبالرزق الحَسَنِ ما يُؤْكل ويُشرب حلالًا من هاتين الشجرتين، وذلك لأن السورة مكية، ولم تحرم الخمر فيها وإنما حرمت في المدينة، ولست أدري كيف دُسَّ هذا الرأى على أولئك الأعلام من السلف، وكيف أُقحم في كتب التفسير ليقرأه القارئون تفسيرًا لآية من كتاب الله منقولا عنهم، فإما أن يسلموا به تقديرًا لجلال من نسب إِليهم وإِما أن يقولوا ما لا يحل في كتاب الله، حيث يقولون إن هذه الآية نزلت يمتن فيها الله على عباده بما أَنعم به عليهم في النخيل والأعناب من السكر والرزق الحسن، فكيفَ عدل عن استحسان الخمر والامتنان بها في مكة إلى استرذالها وتحريمها في المدينة وهي هي بعينها لم يزد عليها ولم ينقص منها شيء، فإما أن تكون في