للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويعقمه بما يجعله صالحًا ولا يتعرض للفساد، ولم يقتصر هذا الإلهام على الحيوان بل تعداه إلى النبات والجماد، فإن البذور والنوى، يلهمها الله أن تتجه بجذورها إلى أسافل جوف الأَرض لتستمسك بها وتتغذى منها، وتتجه ببراعمها وسيقانها وأوراقها وفروعها إلى أعلى دون أن يطرأَ على منهجها هذا أَي اختلاف.

وألهم الأَرض أَن تغذِّي جذور النبات، وتيسر لها سبيل التعمق داخلها ولو كانت الأرض صخرية، فكم من غابات وأشجار وأَعشاب تنبت فى الأَرض الجبلية. هذا إِلى جانب ما يتم داخلها من التحولات الخطيرة التى تنشأ عنها المعادن والغازات والعناصر المختلفة وكل ذلك يتم بإلهام الله وتدبيره. ولقد أحسن إبراهيم الحربي قوله: لله ﷿ فى الموات قدرة لم يُدْر ما هي، لم يأتها بها رسول من عند الله، ولكن الله تعالى عرفها ذلك (١).

ولا غرابة فى ذلك، فقد جاء القرآن الكريم بذلك صراحة عن الأرض فى سورة الزلزلة فقد قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾: أى ألهمها وأعطاها من الأَسباب ما نشأَت عنه تلك المسببات.

ولم يحرمنا القرآن العظيمُ ولا السنةُ المطهرة من الإشارة إِلى تلك العجائب التي لم يستطع الإنسان أن يكشف الكثير من أخبارها وأسرارها، فالله تعالى يقول إنه أَمر الجبال والطير أن تُؤَوِّب فى التسبيح وترجِّعه مع داود، وذلك في قوله فى سورة سبإ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ (٢). وفى سورة ص ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ (٣).

والرسول يقول في جبل أُحد: (أُحُدٌ يُحِبُّنا وَنُحِبُّهُ) فوصف الجبل الأصم بأنه يحب الرسول. ورجف أُحُدٌ والنبي فوقه وأبو بكر وعمر وعثْمان فخاطبه النبي قائلًا: "اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّما فَوْقَكَ نَبيٌّ وَصِدِّيقٌ وشهيدان ". أخرجه البخاري وغيره.

ومن عجائب إلهام الله للحيوان ما وقع يوم وصول النبى إلى المدينة، حيث تجاذب الصحابة ناقته القصواء وهو عليها، ليكون الرسول ضيفًا كريمًا على من يفوز بها


(١) نقله القرطبي عنه في تفسير هذه الآية.
(٢) من الآية: ١٠.
(٣) الآيتان: ١٨، ١٩.