منهم، فقال لهم:"خلُّوا سَبِيلها فإنها مأمورةٌ" فتركوها وأرخى النبى زمامها دون أَن يوجهها، فجعلت تنظر يمينا وشمالا أَثناء سيرها حتى بَرَكَتْ بفناء بنى عدى بن النجار أمام مِرْبد سهل وَسُهَيل ولدى رافع بن عمرو، ثم ثارت الناقة والرسول عليها حتى بركت أمام باب أبي أيوب الأنصاري، ثم ثارت وبَرَكَتُ فى مبركها الأول وَأرْزَمَت (أَي صوَّتَتْ دون أن تفتح فمها) ونزل النبي ﷺ عنها وقال: "هَذَا الْمَنْزِلُ إنْ شاء اللهُ"، واحتمل أبو أيوب رحله وأدخله بيته، وقال أبو أيوب المرْءُ مع رحله، فنزل النبى عنده، وأخذ سعد ابن زرارة ناقته عنده.
وقصة (الهدهد) العجيبة مع سليمان، وكذا قصة (النملة) فى توعيتها للنمل من أن يحْطِمهُ سليمان وجنوده، وتعليم الله سليمان منطق الطير كل ذلك واضح فى أن لها إِدراكات ونطقا وعبارات لا يعلمها إلا من علمه الله، فلا غرابة فى أن يُعبر الله عن إلهامه للنحل في معاشها بالوحى، لأن لها إدراكات تعي بها هذا الإلهام، فتبارك الله أَحسن الخالقين.
المعنى الإجمالي للآية
وألهم ربُّك النحلَ، قائلا فى إلهامه إياها: اتخذي بيوتا لك تأْوين إليها فى الجبال داخل كهوفها ومغاراتها وكُواها، وفى الشجر داخل أَجوافها وبين أغصانها وفيما يعرشه ويُهيئهُ لك بنو آدم من العرايش والخلايا ونحوها.
وعرش، معناها هنا: هيَّأ، قال القرطبي: وأكثر ما يستعمل فيما يكون من إِتقان الأغصان والخشب وترتيب ظلالها. ومنه العريش الذي صنع لرسول الله ﷺ: اهـ ويقول ابن العربي في هندسة النحل لبيوتها: ومن عجيب ما خلق الله في (النحل) أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءَت بينها فرج إلا الشكل المسدس، فإنه إِذا جمع إِلى أَمثاله اتصل كأنه قطعة واحدة: اهـ من القرطبي.
٦٩ - ﴿ثُمَّ (١) كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾:
أي وكلي أيتها النحلُ بعضا من كل الثمرات، وهو رحيق الأزهار التى هى أساس
(١) لفظ (ثم) هنا بمعنى واو العطف وليست للترتيب والتراخى، إذ لا ترتيب بين الأكل من الثمرات وبين اتخاذها البيوت ولا تراخي لأكلها عنه، فإنهما قد يكونان متصاحبين، بل ربما سبق الأكل من الثمرات بناء البيوت، فإن البطون الجائعة تضعف قواها عن الباء.