للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لثمرات أو من الثمرات نفسها، ويقولون إنها قد تأكل من الأزهار المُرَّة، ويعود كل ذلك عسلا حلوا شهيا، وفي ذلك يقول المعرى:

والنحل يجنى المُرَّ مِنْ زَهْرِ الرُّبى … فيعود شَهْدًا في طريق رُضَابِهِ (١)

والأمر في قوله تعالى للنحل: "ثُمَّ كُلِى مِن كُلّ الثَّمراتِ" ليس على حقيقته، بل المقصود منه أنه -تعالى- يسَّر لها ما تشتهيه من الثمرات لتأكل منه، فتجد نفسها مجبولة على أن تتناول منها ما تريد كأنها مأمورة بذلك، لتحيى وتؤدى وظيفتها فى الحياة، من إفراز العسل لغذاءِ الناس وشفائهم، ثم بيَّن الله أن سبلها إلى ذلك مذللة فقال سبحانه:

﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾: أي فاذهبي طائرة فى طرق ربك التي توصلك إِلى الحدائق والبساتين فهي مفتوحة لك فى جنبات السماء شرقًا وغربًا، شمالا وجنوبا، مسخرة لك، لا يمنعك عنها مانع فأَنت نافعة للزراعة، وجالبة للأرزاق، وكما ذلَّلها الله لك في الغداة وأنت ذاهبة إلى أرزاقك، ذللها لك فى الأصيل وأنت عائدة إلى بيوتك لا تضلين سبلها، فسبحان الله ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾.

وقيل فى معنى الآية: فاسلكى ما أكلت من الأزهار والرحيق فى مسالكه التى يتجول فيها بقدرة الله عسلا.

ثم اتجه الكلام من مخاطبة النحل إِلى الكلام مع الناس فى عجائب صنع الله على سبيل الاستئناف، وذلك فى قوله تعالى:

﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾:

يقُصُّ الله علينا في هذه الآية أن النحل بعد أن تتناول غذاءها من كل الثمرات، يخرج من أَجوافها عسل ألوانه مختلفة تبعًا للون ما تناولته من الأزهار والثمرات، فقد يكون أبيض، وقد يميل لونه إلى الصفرة أو الحمرة أو نحوهما، كما قد يتأثر برائحتها طيبة أو كريهة، وقد يكون للجو (٢) أَوْ لِسِنِّ النحل أثر في ألوان العسل، كما يقوله القدامى والله تعالى أعلم، وقد عبر عنه بشراب لأنه مما يشرب.


(١) الرضاب -بضم الراء مشددة- يطلق على الريق في الفم، والشهد -بضم الشين المشددة وفتحها- هو العسل.
(٢) فإن الجو الحار يجعل لون العسل يميل إلى الصفرة والكدمه، وقوامه، إلى الكثافة.