والجمهور على أن العسل يخرج من أفواه النحل، ومن ذلك قول الحسن: لُبَابُ البُرِّ بلعاب النحل بخالص السمن ما عابه مسلم: اهـ ونحن نقول: إنما قال الله سبحانه: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا): لأنها هى التى تحيل الثمرات التي تأكلها النحل إلى عسل، ثم تدفعه وتخرجه من هذه البطون عن طريق أفواهها، وقال الآلوسى: وفى الكشف أَن فى قوله تعالى: (ثَمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمرَاتِ) إشارة إِلى أن لمعدة النحل فى ذلك تأثيرًا، وهو المختار عند المحققين من الحكماء: اهـ يريد بذلك أن يردَّ على من يزعم أن المراد من بطونها أفواهها، وأن الأفواه هى التى تصنع العسل دون دخل للمعدات فى تحويل الغذاء إلى عسل.
وقد بين الله تعالى أَن هذا العسل فيه شفاءٌ للناس، إما مجردًا وإِما مخلوطا بغيره من المعاجين المختلفة، كما كان قدامى الأطباء يعالجون، وقد اعترف الطب الحديث بفوائده فى كثير من الأمراض والقروح وليس بلازم أَن يكون فيه شفاءٌ لكل الأمراض أو لكل الناس فقد يشفى به مرض فى إنسان ولكنه لا يشفى به في إنسان آخر، وقد يشفى به مرض، ويزيد العلة فى مرض آخر، ولهذا لم يعمم الله تعالى فى لفظ الشفاء، إذ لم يقل: فيه الشفاءُ للناس، بل قال:(فِيهِ شِفَاءٌ) بتنكير شفاء للتبعيض، ليكون المعنى: فيه بعض الشفاء للناس لا كل الشفاء دائمًا (١).
وقد ذكر قدامى الأطباء أنه ينقي الجروح ويُدمِّلها ويأكل اللحم الزائد، ويشفى من دموع العين وحكتها وجربها كحلا وبخاصة مع ماء البصل، وإن أُذيب فى الماءِ سكن المغص وقطع العطش، إلى غير ذلك مما كتبته كتب الطب القديم فارجع إليها إن شئت فقد كَتَبَتْ عنه كثيرًا من الفوائد والأضرار، وهذه الآية دليل على جواز التداوى خلافا لمن كره ذلك، بل هو مطلوب لقوله تالى:(وَلا تُلْقُوا بأيدِيكُم إلَى التَهْلُكَةِ). وفى صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله ﷺ قال:"لَكل داءٍ دواءٌ فإذا أُصِيب دواءُ الداء برأ بإذن الله" وأخرج أبو داود والترمذى عن أُسامة بن شريك قال: قالت الأعراب ألا نتداوى يا رسول الله قال: "نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا واحدًا" قالوا يا رسول الله وما هو؟ قال الهرم" لفظ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح إلى غير ذلك من الأحاديث.
(١) و"أل" فى الناس للجنس لا للاستغراق، فيصدق الخبر بحصول الشفاء فى بعضهم.