فالآية تقرر: أن أَهل الكتاب - وهم اليهود والنصارى - يعرفون أَن محمدًا رسول الله، معرفة حقيقية، كمعرفة الآباء بالأبناء.
قال عمر لعبد الله بن سلام، وكان من أحبار اليهود قبل إسلامه:"أتعرف محمدًا ﷺ كما تعرف ابنك؟. قال: نعم، وأكثر. لقد بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته، فعرفته. أما ابني فلا أدري ما كان من أمر أُمه. فقبَّل عمر رأسه".
﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾: فالبشارة به ﷺ كانت موجودة بوضوح في التوراة والإنجيل. وعلماء اليهود والنصارى يعرفونها حقًا، ولكنهم ينكرونها لمرض نفوسهم، إلا من عصمه الله منهم فآمن.
ونحن نعلم أنهم حرفوا الكتابين، وقاموا بطمس ما يتعلق بالنبي ﷺ لتبقى فيهم السلطة الدينية.
ولكن إنجيل "برنابا" سلم من أيديهم، وظل قرونًا مدفونًا في خزائنهم، حتى عثر عليه أخيرًا في مكتبة الفاتيكان بروما، وتسرب إلى العالم، فارتاعوا، لأنه يفضح أكاذيبهم، فأعلنت الكنيسة أنها لا تعترف به إنجيلًا، مع أنه من أقدم أناجيلهم وأقربها إلى الصحة، لأنه كُتب في القرن الأول الميلادي، ونصوصه ناطقة صريحة بأوصاف النبي ﷺ وأهداف رسالته.
وقد جاء في الإصحاح الثاني والسبعين منه على لسان المسيح ﵇:"إنني قد أَتيت لأُهيئَ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بقوة عظيمة على الفُجَّار، ويبيد عبادة الأصنام من العالم". ثم قال:"وسينتقم من الذين يقولون: إني أكبر من إنسان .. وسيجيءُ بحقٍّ أَجلْى من سائر الأنبياء .. وسيمتدُّ دينه، ويعمّ العالم".
وجاء في الإصحاح السابع والستين منه:"تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ، وسيمتد دينه، ويعم العالم بأسره .. ولا نهاية لدينه، لأن الله سيحفظه صحيحًا".
وفي الإصحاح العشرين بعد المائتين:"يظن كل شخص أني صُلبْتُ، لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله، فإذا جاءَ في الدنيا، ينبه كل مؤْمن إلى هذا الغلط، وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس".