للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأناجيل التي يعترفون بها، والتوراة التي بين أيدينا الآن، بقيت فيها إشارات عدة (١) ترمز إلى النبي وقد عني بها كثير من الباحثين، وفي طليعتهم العلامة: رحمة الله الهندي، في كتابه: "إظهار الحق". فارجع إليه إن شئت.

وذكرت الآية الذين يكتمون الحق وهم يعلمونه، ويستلزم هذا أن هناك فريقًا آخر، يعلم الحق ويعلنه ويؤْمن به ويؤَيده. ومن هذا الفريق: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، الذي كان من أحبار اليهود وأسلم، ونزل فيه قول الله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ (٢).

ومن أحبار اليهود والنصارى الذين عرفوا الصفات النبوية فآمنوا: زيد بن سعنة وتميم الداري، والجارود بن عبد الله، وإدريس بن سمعان. ولإسلام كل من هؤُلاء قصة لا يتسع المقام لذكرها، وإسلامهم جميعًا يستند إلى صفات الرسول في التوراة والإنجيل.

١٤٧ - ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾.

الامتراءُ: إما بمعنى الجدل أو بمعنى الشك، فإن كان بمعنى الجدل، فالغرض من الآية وصفُ أهل الكتاب بأنهم قوم عادتهم الجدل، دون أن يهدفوا إلى الحق، وأمر الرسول بمجانبتهم وألاَّ يجاريهم في جدلهم.

والمعنى في هذا: الحق نزل عليك يا محمد من ربك، وهؤلاء قوم عادتهم الجدل بدون طائل، فاتركهم ولا تكونن من المجادلين مع قوم هذا خلقهم، فلا فائدة تُرجى ممن عميت قلوبهم.

وإن كان الامتراءُ بمعنى الشك: فالخطاب فيه لكل مكلفٍ، لأن النبي لا يتصور منه الشك ولا يليق به، فإنه لم يقم بدعوته إلا على بينة من ربه ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ﴾ " ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (٣).


(١) من أمثلة هذه الإشارات: سفر التثنية: ١٨/ ١٨، ٢٣/ ٢. والمزامير إصحاح: ٤٥ حيث أورد في صفحة ١٧ مطابقة للرسول وإنجيل متى ٤/ ١٧، ٦/ ١٠، ١٣/ ٢٤، وإنجيل يوحنا (راجع تفسير المنار جـ ٩ ص ٢٤٠ - ٢٨٣).
(٢) الأحقاف: ١٠
(٣) أوائل سورة النجم.