والمعنى: ألم ينظر المشركون إلى الطير مسخرات للطيران بما خلق الله لها من الأجنحة والأسباب المساعدة عليه، فإن من تأمل الطيور السابحة في الجو: لا شيء يجذبها إلى أعلى، ولا سبب يحفظها من السقوط في أسفل، أَدرك أَن الله هو الذي سخرها للطيران وسخر لها الجو وأمسكها فيه، ولم يمسكها سواه، وذلك بما أَمدها به من أسباب تحفظها وتمسكها إن تسقط إلى الأرض، وتجعلها تجوب الفضاء وتعلو وتهبط وتسرع وتبطئُ، وتميل يمينًا وتنحرف شمالًا، إِنه الله الذي أَعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: إن في ذلك الذي ذكر من تسخير الطير في الجو وإمساكهَا من السقوط لدلالات على قدرة الله ووحدانيته، يسوقها لقوم لهم علم وعقل وإِيمان فما بال المشركين يعرضُون عن هذه الآيات الجليلة المستوجبة لطرح الشركاء، والتوحيد الخالص لرب العالمين.
وخص المؤْمنين لأنهم هم المنتفعُون بالنظر والتَّدبُّر، وإن كانت الحجة قائمة على كل عاقل.
وتلك آية أخرى ساقها الله، مبيِّنًا بعض نعمه المستوجبة لشكره والإيمان به.
والمعنى: أنه هداكم إِلى اتخاذ البيوت لكي تستريحوا وتسكنوا فيها بين أهليكم وأولادكم ولم يترككم تأوون إلى الغابات أَو تعيشون في الكهوف وقت إِقامتكم الدائمة، أما في الترحل والانتقال فقد ألهمكم ما يعينكم على تلك الحياة وهو ما ذكره تعالى بقوله:
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا﴾: أي أرشدكم إلى صنع الخيام وضرب القباب في أَسفاركم، وهداكم إِلى اتخاذها من جلود الأنعام حيث:
﴿تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾: تجدونها خفيفة الحمل قليلة الكُلْفة، فيسهل عليكم نقضها وحملها ونقلها إِذا ارتحلتم، فإذا ما أقمتم سهل عليكم ضربها للإقامة، فيها ما أَقمتم.