﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾: أي وهداكم كذلك إلى أن تتخذوا من أصواف الغنم وأوبار الإبل وأشعار المعز أثاث المنازل من البسط والفرش والكساء والغطاء والخيام، وما قد تحتاجون إليه في إقامتكم وأسفاركم تتنعمون به أنتم، أَو تتجرون به فتتسع أرزاقكم وتنمو بذلك أموالكم وتزداد ثرواتكم وتتمتعون به على أي وجه بما ذكر إِلى حين انقضاء آجالكم وانتهاء أعماركم أو حاجاتكم.
أي أَنه تعالى جعل للضاربين في الأرض مما خلق من الأشجار والجبال والتلال ونحوها ظلالا يستظلون بها من الحر، كما جعل لهم من الجبال ما يسكنون فيه أو يأوون إليه عند الحاجة، من المغارات والكهوف.
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾: ومن نعمه سبحانه أَن ألهمكم اتخاذ ملابس للسلم تقيكم الحر مثل الجلابيب والأردية والقمص والقلانس ونحوها مما يستر أجسادكم ويقيكم حر الشمس وبرد الشتاء. وقد استغنى بذكر الوقاية من الحر عن ذكر الوقاية من البرد لأن العرب تستغنى في لغتها كثيرًا بذكر أحد المتقابلين الآخر اكتفاء بأحدهما؛ لأنه يشعر بالمحذوف ويدل عليه، وكما أرشدكم إلى صنع لباس السم، ألهمكم أَن تصنعوا من الحديد ما يدفع عنكم الضربات ويرد الطعنات في بأس الحرب وشدتها.
﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾: أي هكذا تتوالى نعم الله عليكم في حياتكم حتى تتكامل وتتم، لعلكم أنتم وكل من يصلح للخطاب والتذكير تتأملون وتتدبرون فتدركوا نعم الله عليكم، وتعرفوا لِواهِبِها قدْرَهُ فتنقادوا له، ولا تتخذوا معه الأنداد ولا تعبدوا ربًّا سواه، فأنت ترى من سرد هذه النعم أنه تعالى شمل بنعمته أهل الحضر وأهل المدر، فالكل بنعمته ينعمون، وبفضله يتمتعون.