﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾: أي لا تنقضوا العهود طمعًا فى التحالف مع جماعة هى أكثر مالًا وأَعز نفرًا، بدل جماعة أخرى أَقل منها وأَهون، كما كانت تفعل قريش، فكانوا ينقضون العهود مع حلفائهم، ويحالفون أعداءهم إذا ما رأَوا فيهم قوة ومنعة، قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون منْ هُو أكثر منهم وأعز نفرًا فينقضون حلف هؤُلاء ويحالفون أُولئك فنهوا عن ذلك اهـ - وعلى هذا تكون الآية تحذيرًا للمؤْمنين أَن يغترُّوا بكثرة قريش وسعة أموالهم، فينقضوا بيعة رسول الله ﷺ، وأيًّا كان السبب فالآية قاعدة عامة تحض على الوفاءِ بالعهود.
والمعنى الإجمالي للآية: ولا تتخذوا أَيمانكم للخديعة والمكر، بأن تحلفوا للناس على ما عاقدتموهم عليه ليطمئنوا إليكم، ثم تغدروا بهم رغبة فى إِرضاءِ أُمة أقوى من الأُمة التى عاهدتموها، لتكون قوة لكم ومنعة بدلا منهم.
وإِذا كان الله سبحانه قد نهى عن الغدر والحالة هذه. فلأن ينهى عنه مع التمكن والقدرة الذاتية بطريق الأولى.
﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ﴾: أَى إِنَّما يختبركم بكثرة أُمة عن أُمة، لينظر أَتتمسكون بعهد رسول الله ﵊؟ أم تخدعكم كثرة قريش وقوة شكيمتهم وقلة المؤْمنين وضعفهم حسبما يدل عليه ظاهر الحال. أو يختبركم أَيها المؤْمنون جميعًا بهذا التشريع فى عهودكم ومواثيقكم ليظهر ما تضمرونه من غدر أو وفاءٍ.
﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾: فى الدنيا، فيجازى كل عامل على عمله خيرًا كان أَو شرًّا. وستجد كل نفس ما عملته محضرًا، لا تخفى منه خافية، وفى ذلك إشارة واضحة إِلى الإِنذار والتحذير.
٩٣ - ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: أى ولو شاء الله إِلْجاءَكُمْ على الإِيمان لجمعكم عليه وجعلكم أمة واحدة.
﴿وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾: أَي ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك حيث أضل فريقًا وهدى آخر، فأما الفريق الأول. فهو من استحب العمى على الهدى، وأما الفريق الثاني فهو من آثر الحق على الباطل، فقد اقتضت عدالته أَن يجعل لعباده اختيارًا، فمن اختار شهوات الدنيا على طاعة ربه. تركه وما يريد تبعًا لاختياره وإصراره، ومن