﴿هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. من هذا الثمن القليل الذي يعدونكم به لإِغرائكم بنقض العهود، أَو الذي يصل إِليكم عن أَي طريق، في مُقابل ترك عهد الله والتخلى عنه.
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: أَي إن كنتم من أهل العلم والإدراك والفهم. فتدبروا التفاوت البين بين خيري الدنيا والآخرة. وبين ما يمقته سبحانه وما يرضى عنه.
٩٦ - ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ … ﴾:
أي ما لديكم من خيرات الدنيا وطيباتها يذهب وينتهي مهما طال به الأَمد، وامْتدَّ به الزمن. وكثر منه العدد.
﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ باقٍ﴾: فهو يعطيكم من فيض رحمته. وخزائن نعمه التي لا نفاد لها ولا فناء لنعيمها في الدنيا والآخرة. أَما حصول ذلك في الآخرة فظاهر. وأما في الدنيا فلأن نعيمها موصولا بنعيم الآخرة ومستتبع له، ولهذا الارتباط كان النعيمان من الباقيات الصالحات، ومن هنا كان التعبير في الآية بلفظ ﴿بَاقٍ﴾ أولى من التعبير بلفظ يبقى لإِفادة الدوام والاستمرار.
﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: أكّد سبحانه النص على منح الصابرين أَجرهم الخاص بهم بجملة القسم ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ﴾ المعبر فيها بنون العظمة، لحفزهم على قوة الاحتمال والثبات على إِيذاء المشركين لهم، والصبر على مشاق التكاليف التي تنتظم احتمال الأذى في سبيل الوفاء بالعهود والبر بالأيمان.
والمعنى: ولنَجزينَّ الذين صبروا على مشاق التكالف الشرعية ومنها الوفاء بالعهد، - لنجزينهم - بحسب أَحسن اعمالهم. فيكون عطاؤُنا لهم جزاءً الأدنى من هذه الأعمال كعطائنا لهم جزاءَ الأعلى منها من الأجر الجزيل، تفضلا منَّا وكرمًا، وتلك عِدَة كريمة بغفران ما قد يعترى صبرهم على مشاق التكاليف من تفسير أَو قصور، فإن أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون يقتضي هذا التجاوز والغفران.