للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَي ونخرج للإنسان يوم قيامِ الناس من قبورهم وبعثهم لحساب ربهم - نخرج له كتابا يحوي تفاصيل أعماله خيرها وشرها، يلقاه منشورا مبسوطا أمامه ليقرأه بنفسه، ويتعرف على حسناته وسيئاته، أخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال: يَا ابْنَ آدَمَ بُسِطَتْ لكَ صَحيفةٌ وَوُكِّلَ بكَ مَلكانِ كريمَانِ، أَحدُهُمَا عن يَمينك، والآخر عن شمالك حتى إِذَا مِتَّ طُويتْ صَحيفَتُكَ فَجُعِلتْ في عُنقِك قبرِكَ، حَتى تَجِيء يَومَ الْقيَامَةِ فَتُخْرَجُ لَكَ": اهـ والمقصود من جعلها في عنقه ارتباطها بصاحبها معنويا لا حسيا؛ لأن الإنسان يفنى في قبره، ولهذا قال الحسن في آخر عبارته، (حتى تَجيء يَومَ القِيَامَةِ فتخرج لك) وبعد أَن عرفنا أن أعمالنا تسجل علينا بهذه الآية الكريمة، وبنحو قوله تعالى: "ما لْفِظُ مِن قَوْل إلاَّ لَدَيْهِ رَقيِب عَتِيدٌ" وأَنها تنشر يوم القيامة، فلهذا ينبغي للغاقل أن لا يملي على الملكين الكاتبين لصحيفته إلا الأعمال الصالحة التي يفرح ويسعد بنشرها وقراءتها يوم القيامة، ويدعو غيره إِلى قراءتها فرحًا بها وبحسن عاقبتها كما حكاه الله تعالى عن السعيد الذي أوتي صحيفته بيمينه بقوله: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣)(١). وهَذَا القول يصدر منه بعد. أن يقرأَ كتابه، تنفيذا لأمر الله تعالى إياه بقوله لكل مكلف سعيدًا كان أو شقيا:

١٤ - ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾: فإذا قرأَه وعرف منه حسن عاقبته قال ذلك.

والمعنى: يقال لكل إِنسان بعد أن يجد كتابه منشورا مسجلا فيه عمله اقرأ كتابك كفى بنفسك حاسبا عليك سيئاتك، وحاسبا لك حسناتك، فكل ذلك واضح مسطور في الكتاب، كما قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (٢) وكما ترى المجرمين مشفقين مما فيه ترى الصالحين مستبشرين فرحين بما فيه كما تقدم بيانه.


(١) سورة الحاقة: الآيات ١٩ - ٢٣
(٢) سورة الكهف: الآية