والآية ظاهرة في أَن كل مكلف يستطيع قراءة كتابه وإن لم يكن في دنياه قارئا، ولهذا كلف الله كل إِنسان بقراءة كتابه، قال قتادة: يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن قارئا في الدنيا، ومن العلماء من فسر كتاب الإنسان بنفسه، فإن ما يصدر عنه من خير أو شر يطبع في نفسه وينقش في روحه، وهي في دنياها مشغولة بواردات الحواس المتجددة مشغولة عن هذه الآثار المنقوشة فيها والثابتة على صفحتها، فإذا انقطعت علاقتها بتلك الحواس قامت قيامة الإنسان، وأدرك كل ما صدر عنه من خير وشر منقوشا وثابتا في نفسه وروحه، بعد أن انكشف عنها الغطاءُ بالموت الجسدى، وكما يظهر ذلك من نفسه عقب موته، يظهر له منها في ساحة القيامة يوم النشور، فيقال له حينئذ: اقرأ كتاب نفسك واذكر أعمالك، كفى بنفسك مُحاسِبة لك بما ثبت فيها من عملك، ومعلوم أَن العبد إذا مات قامت قيامته الصغرى وأحسّ من نفسه بمصيره الذي ينتظره، فإذا بعث قامت قيامته الكبرى وكان الحساب والجزاءُ.
ويقرب هذا المعنى للذهن أن الإنسان بدواعي المعاني يتذكر في دنياه أمورا مضى عليها عشرات السنين، وذلك ناشيء من انطباع صور الحوادث في نفسه.
بين الله فما سبق أَن هذا القرآن يهدى للتى هي أقوم، ويبشر المؤْمنين المهتدين بالأجر الكبير، وينذر الكافرين بالعذاب الأليم، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يطلب لنفسه الشر طلبه للخير، فإن عمله ملازم له إلى يوم القيامة، وجاءت هذه الآية لتبين أَن المهتدى بهدى القرآن هو الذي ينتفع باهتدائه، وأن من ضل عنه فهو الذي يُضَر بضلاله، أَما المولى سبحانه فإنه لا ينتفع بطاعة عباده، ولا يضر بمعصيتهم، وأَما الرسول ﷺ فليس عليه إلا البلاغ.
والمعني: أن من تأثر بمواعظ القرآن، وتفتحت بصيرته لمعارفه، واهتدى بهداه فلا تعود منفعة ذلك إِلا عليه وحده، وأن من انحرف عن سبيله، وضل عن طريقه فلا يعود وبال ضلاله إلا عليه وحده دون سواه، وتعالى الله أَن تنفعه طاعة المهتدي، أَو